عودة العنصرية

05:17 صباحا
قراءة 4 دقائق

الإرهابيون الإسلاميون كلهم مسلمون، والإرهاب اليوم هو عدونا الرئيس . إذاً، لماذا لا نصوّر النّاس على أساس من دينهم؟، يمكنك القول إنّ ثمانين إلى خمسة وثمانين في المائة من المساجد في هذا البلد يديرها الإسلاميّون الأصوليّون . نحن نعيش في عالم سويّ سياسياً، لذا يمكننا أن نقول إنّه يجب علينا أن نفتش جدة إسكندنافيّة كما نفعل مع رجل شرق أوسطي .

إنّ هذه التّعميمات البغيضة، الشّائنة، والشّديدة الإهانة هي غيض من فيض ممّا يطلقه النّائب الجمهوريّ عن نيويورك بيتر كنغ، الّذي يشغل حالياً منصبه في مجلس النّوّاب الأمريكيّ للفترة التّاسعة، أمام وسائل الإعلام كلما سنحت له الفرصة لذلك . وكعضو في لجنة الأمن القوميّ، فإنّ كنغ استخدم جانب الإرهاب لنشر كراهيّته الواضحة والجامحة للإسلام . وقد مضى في ذلك إلى الحدّ الّذي انتقد فيه إدارة أوباما لأنّها؛ لم تستخدم كلمة إرهاب بما يكفي ! وفي العام 2008 احتجّ كنغ على الحملة الإعلانيّة حول الصّحوة الإسلاميّة الّتي كان هدفها تثقيف النّاس، وطالب برفضها . وقد كانت الإعلانات مجرّد لوحات سوداء وبيضاء خطّ فيها كلمات مثل الحجاب؟ أو النّبيّ محمّد؟ أو كلمات مثل أنت تستحقّ أن تعرف إضافة إلى عنوان موقع على الشّبكة العنكبوتية .

وكانت محاولته الأخيرة ترويج ما وصفه برواية نصف الحقيقة ونصف الخيال، وادي الدّموع، التّي يروي فيها قصّة حول الهجمات الإرهابيّة المستقبليّة في مقاطعة ناسو بنيويورك على يد إثنين يدعي أنهما من المتطرّفين المسلمين .

وعقب الهجوم المحبَط بالقنابل على طائرة شركة نورثويست، المتّجهة من أمستردام إلى ديترويت أيّد كنغ الإجراءات الأمنيّة المشدّدة في مطارات الولايات المتّحدة الأمريكيّة . وقد كان موقفه ردّة فعل متوقعة على اعتبار أنّه موظّف مخضرم في إدارة بوش . وتجدر الإشارة إلى أن الحدث الأخير قد وقع، رغم عدم احتمال وقوعه، وفي غياب هذه الاستراتيجية التي تسببت بإزعاج الراي العام . ولم تسبب الإجراءات الأمنيّة المشدّدة الّتي اقترحها كنغ صدمة فقط، وإنّما كانت مهينة لكلّ مسلم وللأمريكيّين أنفسهم . فقد اقترح، بوقاحة في بث إذاعيّ، قانوناً خاصاً بالكشف الإشعاعي على المسلمين فقط، يتضمّن كشف الجسد كاملا من خلال الأشعّة لأيّ شخص يحمل اسماً شرق أوسطيّ (صور بأشعّة إكس بشكل رئيس تحفظ في أفلام) . وكان اقتراحه الآخر فرض خطوط نقاط تفتيش في مطارات الولايات المتّحدة . إنّ هذا يدعو إلى التّساؤل : ألا يتعلّم هؤلاء شيئاً من ماضيهم؟ أهذه طريقة كنغ للعودة إلى مدارس الفصل العنصريّ وإلى نوافير الماء عندما كان التفريق فيها بين الأبيض و الأسود؟ إن مجرد اقتراح مثل هذا النّظام المرتكز على التجسيد الاثني الغبيّ يمثل عصراً جديداً من مطاردة السّحرة . ورغم أنّ هذا الاقتراح لن يبصر النور في وقت قريب، فإنّ مجرّد التّفكير فيه يشعرني بالغثيان . كيف يمكن في هذا اليوم وفي هذا العصر، بعد كلّ ما بذله الأمريكيّون أنفسهم في محاربة التّعصّب الأعمى والعصبيّات، لرجل مثل كنغ وأتباعه أن يطلقا تصريحات مثل لقد حان الوقت لإقامة خطوط تفتيش للمسلمين في مطارات أمريكا والتّدقيق في فحص المسلمين . عليكم أن تصدّقوا هذا، فقد حان الوقت؟ ترى لو أنّ كلمة مسلم استبدلت بها كلمة أسود أو يهودي، فهل يكون ردّ فعل أمريكا مختلفًا مع بيتر كنغ؟ هذه هي السياسة الصائبة، وهذا ما يجب أن ينظر إليه الأمريكيون على أنّه غير قانونيّ، وغير أخلاقيّ وغير دستوريّ .

فالتّعديل الأوّل لدستور الولايات المتّحدة يعلن حريّة الدّين، والتعديل الرّابع ينص على حرّية النّاس في أن يكونوا آمنين في ذواتهم، وبيوتهم، وصحفهم، وممتلكاتهم ضدّ التّفتيش والحجز غير المنطقيّين .

إنّ لدى كنغ كثيراً من الأتباع الّذين يحثّونه على التّرشّح للرّئاسة العام 2012 وإذا ما نجح، فسيكون نجاحه عارًا على كلّ مسلم، وخصوصاً مسلمي الشّرق الأوسط، إذا ما قبلوا مثل هذه الإهانة . فإذا وقف المسلمون بإرادتهم في الصّفوف المخصّصة لهم، يقودهم الآخرون لتفتيشهم وتصويرهم بالأشعّة مسرورين لا لسبب سوى دينهم، فإنّ ذلك سيكون نهاية الكبرياء العربيّة، والقوّة الإسلاميّة . إلى متى سنلوذ بالصمت؟ وإلى متى سنتجاهل وابل الشتائم التي تأتينا من كل حدب وصوب؛ من فرنسا التي تحارب الحجاب وتمنع ارتداءه في المدارس؟ أم من الدنمارك التي أطلقت رسوما كاريكاتورية مشينة بحق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم؟ أم من سويسرا التي أصدرت قرارا دستوريا بحظر المآذن في المساجد؟ أم من جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين يقتحمون المسجد الأقصى أثناء صلاة الجمعة؟ والآن جاء دور بيتر كنغ . . إن قوتنا السياسية للوقوف في وجه أعدائنا تكمن في تتضامننا، فالدول الإسلامية يجب أن تكون يدا واحدة وصوتا واحدا تخاطب به العالم . . قفوا في وجه هذا الطغيان والظلم المستمرين، إننا نطالب بحقوقنا واحترامها، فنحن لا نقل شأنا ولا أهمية عن أي دولة أخرى .

واسمحوا لي أن أوجّه كلماتي الأخيرة إلى السّيّد كنغ: السّيّد كنغ، إنّ التّعصّب الأعمى والعصبيّة هما بلاء معدٍ ينتشر بأسرع من إنفلونزا الخنازير الّتي أقضّت مضجع عالمنا كلّه . لهذا، ولأجلك أنت، ولأجل الشّعب الأمريكيّ، أتمنى لك الشفاء التام والعاجل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​رئيس تحرير صحيفة Gulf Today الإماراتية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"