“الملكة” ميركل التي يكرهها الأوروبيون

03:55 صباحا
قراءة 3 دقائق

كانت الحملة الانتخابية الألمانية لانتخاب أعضاء البرلمان (البوندستاغ) الجدد مملة، وانصبت على شخص المستشارة أنغيلا ميركل وحزبها المسيحي - الديمقراطي المحافظ . وجاءت نتيجة هذه الانتخابات مفاجئة لكل التوقعات، إذ حققت فوزاً تاريخياً بحصولها على الرقم الأعلى (نحو 24 في المئة من أصوات الناخبين) منذ توحيد الألمانيتين في عام ،1990 وهو إنجاز يقترب من الرقم القياسي الذي حققه المستشار كونراد أديناور في عام ،1957 وهو الأغلبية المطلقة التي جعلته يحكم من دون الحاجة لائتلاف .

هذه المرأة، ذات التسعة والخمسين عاماً، الآتية من ألمانيا الشرقية السابقة التي ستصبح مستشارة للمرة الثالثة المتتالية، الملقبة بالمستشارة الحديدية أو الملكة أو توتي أي ماما أو الملكة آنغي إلخ . . برهنت بأنها قادرة على طمأنة الألمان وإشعارهم بالطمأنينة على مستقبلهم وسط العواصف الأوروبية والعالمية الهوجاء . وقد غنت لها إحدى الفرق الموسيقية، احتفالاً بالنصر، أغنية تدعوها إلى إنقاذ العالم بعد أن أنقذت ألمانيا .

رغم ذلك، فإن المتابع للسياسة الألمانية الداخلية سوف يتحقق من أن المستشارة ميركل لم تنفذ طيلة الثماني سنوات المنصرمة سوى إصلاحين كبيرين: إلغاء الخدمة العسكرية والاستغناء عن الطاقة النووية المبرمجة تدريجياً حتى عام 2022 . هناك إصلاحات أخرى أقل أهمية مثل تخفيض بعض الرسوم ومساعدة الأمهات الموظفات والعائلات الفقيرة وسن التقاعد وغيرها . ولكن يتفق المراقبون على أن كل هذه الاصلاحات تقريباً دفعها إليها دفعاً شريكها في الائتلاف الحكومي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يعود إليه الفضل في الصحة الاقتصادية التي تتمتع بها ألمانيا التي وصفتها مجلة الإيكونوميست، في عام ،2001 بأنها الرجل المريض في أوروبا . وكان المستشار السابق اليساري غيرهارد شرودر (1998 - 2005)، قد وضع خطة اقتصادية تحت عنوان أجندا 2010 أتاحت لألمانيا بأن تكافح البطالة التي بلغت 5 .5 في المئة عام 2012 مقارنة بمعدل أوروبي وسطي يبلغ 11 .4 في المئة . وباختصار شديد يمكن القول إن ميركل نجحت بفضل خصومها السياسيين والتي عرفت بفضل حنكتها وتواضعها، كيف تستفيد من مآثرهم وتضفي لمساتها الخاصة على بعض أفكارهم .

لقد برهن الألمان، عبر صناديق الاقتراع، بأنهم يحبون زعيمتهم، لكن في شوارع بعض المدن الأوروبية الكبرى علقوا صورتها واضعين عليها شاربي هتلر مع شعار ميركل النازية . . ارحلي . ففي أثينا، على سبيل المثال، يتهمونها بأنها تريد تركيع بلادهم وإذلالها . والسبب أن ميركل التي صنفتها مجلة فوربس الأمريكية المرأة الأقوى في العالم سبع مرات في ثماني سنوات، تدافع بشراسة عن سياسة التقشف حلاً للمشكلة المالية في أوروبا . وهذه السياسة دفعت الجماهير في لشبونة ومدريد وأثينا وباريس إلى النزول إلى الشوارع والتهديد بثورات شعبية على الطريقة العربية بحسب التعبير الذي استخدمته صحيفة لوموند الفرنسية ذات مرة . لكن ميركل تدافع عن نفسها بالقول إنها لا تريد الهيمنة على القرار الأوروبي، ولكن لو أن الأوروبيين شدوا الأحزمة منذ البداية كما فعل الألمان لما وصلوا إلى ما هم عليه اليوم .

وقد كان على ميركل أن تواجه، في الاجتماعات والقمم الأوروبية، زعماء، مثل الفرنسي هولاند، يعارضون سياسات التقشف نظراً للضغوط الشعبية التي يتعرضون لها، لتتوصل معهم إلى تسويات لا تغضب الشعب الألماني الذي سئم من دفع الضرائب، لمساعدة شعوب أوروبية أخرى تعاني من أزمات اقتصادية ومالية لا ناقة له فيها ولا جمل . تمكنت ميركل من إنقاذ الاتحاد الأوروبي واليورو من الانفراط وفي الوقت نفسه من حماية بلادها وشعبها من عدوى الأزمة التي طالت كل أوروبا تقريباً .

في السياسة الدولية سعت ميركل للتماهي مع نبض الشارع الألماني الذي يكره الحروب . ساهمت في الضغوط السياسية والاقتصادية، كما العقوبات المفروضة على إيران وسوريا وكوريا الشمالية وغيرها، من دون أن توافق على الهجوم العسكري . اتفقت مع واشنطن في كل شيء ما عدا استخدام القوة، وكانت تتذرع بحملتها الانتخابية كي تبتعد عن سياسات القوة العسكرية . باختصار فعلت ما يحب شعبها أن تفعل فأحبها وإن كره الأوروبيون .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"