الجزائر تتحضر للمستقبل

03:53 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

تتفاعل الساحة الجزائرية شداً وجذباً باتجاه إنهاء المرحلة المؤقتة الحالية مع الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو المقبل. ودون أن يتوقف الشارع عن مطالبه وتحركه، تحاول الأحزاب السياسية الكبيرة والصغيرة إعادة انتشارها واختبار شعبيتها، وقدم حزب «جبهة التحرير» العريق اعتذاره إلى «فخامة الشعب»، رغم القناعة بأن مهمته صعبة وتتطلب الكثير من التضحيات ليتطهر من أدران الحقبة السابقة.
مازالت تطورات الأحداث في الجزائر منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة تثير الغبطة والارتياح لمحافظتها على سلميتها، كما أكدت على الحس الوطني الرفيع الذي يتمتع به مواطنوها، في الوقت الذي تحركت فيه الدولة بمختلف أجهزتها الأمنية والقضائية لملاحقة الفاسدين و«المتآمرين»، وقبل شهرين من الآن لم يكن يتخيل أحد إيداع السعيد بوتفليقة السجن، أو حبس جنرالين «مرعبين» هما محمد مدين والبشير طرطاق واستدعاء وزير الدفاع الأسبق خالد نزار للشهادة أمام القضاء العسكري عن معلومات تتعلق بتحركات أطراف عديدة في الفترة التي سبقت انسحاب بوتفليقة من دائرة الضوء. وبعد توقيف زعيمة حزب «العمال» لويزة حنون، ربما تمتد يد التحقيق إلى عدد آخر من السياسيين ممن كانوا يحتلون صدارة المشهد في العقود الماضية.
الجزائر تتغير دون فوضى، والسلطات المسؤولة عن الدولة، في هذه الفترة الانتقالية، لا تغفل مطالب الشارع واستحقاقات القطاعات الشعبية المختلفة. وهناك معالم عن توجه يريد أن ينقل الجزائر إلى مرحلة ديمقراطية فعلية ضمن جمهورية عادلة لا تتنكر لمبادئها الوطنية والعربية والدولية، وهذا التوجه يمكن استنتاجه من تصريحات المؤسسة العسكرية وعدد من القيادات الحزبية ونشطاء الحراك الشعبي. ورغم أن هناك أطرافاً «لا تمارس الديمقراطية ولا تفقهها» تثير عاصفة من التشكيك حول مستقبل الجزائر لغايات كيدية وتتعلق بمحاولة استهداف هذا البلد العريق، فإن الحقيقة الأقرب إلى منطق التفاعلات التاريخية تقول إن الآتي سيكون أفضل مما مضى، فالجزائريون الذي أصروا على رحيل بوتفليقة وطي صفحة عهده بما له وعليه، لن يقبلوا بنسخة جديدة من نظام قديم. فتلك الدولة التي يحمل اسمها الرسمي «الجمهورية الديمقرطية الشعبية» تريد أن تكون كذلك فعلاً لا مجرد شعار تتداوله الأجيال. والمؤتمنون على تحقيق هذا الأمر في الواقع هم شباب الحراك المستمر ويقظة مؤسسات الدولة من جيش وأجهزة أمنية وقضاء وشخصيات وطنية.
حين كانت الجزائر تخوض معركة التحرير من الاستعمار الفرنسي، كان قادة الحركة الوطنية التاريخيون يطمحون لبناء دولة كبيرة بمقاييس العالم المعاصر، وكان التوجه اتخاذ الديمقراطية نهجاً واستقلالية القرار أساساً، وبينما تحقق الشرط الثاني إلى حد ما، ظلت الديمقراطية غائبة وعصف الفساد بمقدرات الدولة طوال سنوات. واليوم لم تعد هناك ذريعة لمصادرة أحلام الأجيال، فالجزائر ذات الإمكانيات الجبارة والرصيد الذي لا يقبل المزايدة، يجب أن تعود إلى مبادئ المؤسسين وتستلهم التغيرات الطارئة، وبعدها تنطلق بأمان إلى المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"