الإمارات و«كورونا».. ومعادن الدول

03:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

علمونا صغاراً أن المحن والأزمات تظهر معادن الرجال. ولأن الدول مجموعات من البشر، ففي أوقات الأزمات تظهر أيضاً معادنها، ففي عالمنا دول معادنها ثمينة وأصيلة، وأخرى معادنها معدومة القيمة، ولا توجد حالياً أكبر من محنة فيروس «كورونا» الذي يلاحق البشر ولَم يترك بقعة على كوكب الأرض إلا وترك فيها رعباً، كي تظهر خلاله معادن الدول والقادة والشعوب أيضاً.
كان مفترضاً أن يتوحد العالم لمواجهة هذا الفيروس الذي أصبح وباء حقيقياً، ولكن هذا الحلم هوى على صخور الصراعات السياسية وأطماع بعض صناع القرار وتجار الأزمات الذين لا يُفوِّتون مصيبة ولا كارثة سواء طبيعية أو بشرية، إلا وحاولوا استغلالها لصناعة فتن، وتوليد أزمات صغيرة من رحم الأزمات الكبيرة. وبدلاً من أن تخوض البشرية حرباً كونية ضد كورونا، خرج البعض مجنداً كتائبه الإلكترونية لنشر شائعات وأكاذيب عن دول وشعوب بأنها مصدر للوباء، وهي ليست كذلك؛ بل وحاول التغطية على مصادر العدوى الحقيقية وتجاهل مناطق «التهمها» الوباء؛ لأهداف ومصالح سياسية رخيصة.
حاول بعضهم استغلال هذه الأزمة لضرب اقتصادات دول، والنيل من شعوب، وتزوير حقائق مؤكدة لخلق فتن، بلا أدنى إدراك بأن الخطر يهدد الجميع، وأن فاتورة الخسائر يدفعها اقتصاد العالم كله، وأن النار لو اشتعلت ستلتهم من أشعلها قبل المستهدف بها.
في الوقت ذاته، يطل أصحاب المعادن الأصيلة من القادة والدول ساعين إلى تضميد جراح الإنسانية، وتقديم كل الممكن لمحاصرة الوباء والحد من ضحاياه، والنموذج الأوضح لذلك هي الإمارات التي تؤكد دائماً أنها دولة ماسية المعدن، بفضل حكمة قادتها وارتفاع الحس الإنساني لدى شعبها، وهو ما تجسد جلياً منذ بدء تسلل كورونا وانتشاره في الصين، وخلال مراحل تنقله من دولة إلى أخرى حتى غلّف الكرة الأرضية.
الإمارات لم يشغلها أن تنجو بنفسها فقط من لعنة كورونا، ولم تهتم بما تردد عنها وعن رموزها من شائعات رخيصة بشأنه، لكنها انشغلت بكيفية المساهمة الفاعلة والإيجابية لتخليص البشرية من هذا المأزق، وهو ما انعكس فعلاً وقولاً منذ بداية الأزمة وحتى اليوم.
الشيخ محمد بن زايد، حكيم ابن حكيم، وكبير ابن كبير، لم يدخر جهداً لإنقاذ من يمكن إنقاذهم من كورونا، ولم يترك رئيساً أو زعيماً نالت كورونا من دولته، إلا وتواصل معه، واضعاً أمامه كل إمكانيات الإمارات للمساهمة في احتواء الفيروس ومحاصرة الوباء. فمنذ بداية الأزمة كان تواصله مع الزعيم الصيني لأجل دور إماراتي إنساني مساند للصين، وبعدها تواصلت اتصالاته بأكثر من زعيم مثل الرئيس الكوري الجنوبي، ورئيس الوزراء الإيطالي، للمساعدة والمؤازرة والتضامن.
ولي عهد أبوظبي لم يكتف ببحث الأمر مع الرؤساء؛ بل مع أصحاب الاختصاص أيضاً، مثل مدير عام منظمة الصحة العالمية، ومدير برنامج الأغذية العالمي، وشريكه في العمل الإنساني الملياردير بيل جيتس، الذي تشارك معه في حملة عالمية للقضاء على شلل الأطفال نجحت في تحقيق الغرض منها.
الإمارات مثلما فكرت في حماية أبنائها، فكرت في الأشقاء والأصدقاء، وقامت بإجلاء العالقين منهم في مقاطعة هوبي الصينية (مصدر الفيروس) وأحضرتهم إلى أبوظبي لتُودِعهم في حجر صحي في مدينة الإمارات الإنسانية، مع كامل الرعاية حتى التأكد من خلوِّهم من الفيروس، ثم إعادتهم إلى دولهم. وزاد الكرم كرماً بإرسال الشيخ محمد بن زايد لكل واحد من هؤلاء رسالة ترحيب وتعاطف تحمل كلماتها من المشاعر ما يخفف عنهم آلامهم، يبدأها بكلمة «ابني» فلان، ويواصل سموه زرع التفاؤل والطمأنينة في نفوس هؤلاء الضيوف بقوله: «نريدك أن تطمئن إلى أنك بين أهلك وأصدقائك وأنك ضيف عزيز مكرم، سنوفر لك الرعاية الصحية الكاملة، وكل ما يلزمك لمتابعة الرحلة إلى وطنك متى ما كان ذلك آمناً. حللت أهلاً ونزلت سهلاً».
ما فعلته الإمارات خلال أزمة كورونا ليس جديداً عليها ولا على قادتها، فهي وهم، رواد في العمل الإنساني ولا تخفى مواقفهم وشهامتهم حين تهب رياح المحن حول العالم، فهي النموذج الساعي إلى نشر السلام والأمن في العالم، لا خلق الفتن والاتجار بأزمات الإنسان والإنسانية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"