هل يمسح مون “العار” الدولي إزاء سوريا؟

05:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمود الريماوي

تستضيف الأمم المتحدة ابتداء من الاثنين المقبل 4 مايو/ أيار أطرافاً إقليمية ودولية إضافة إلى الحكومة والمعارضة السورية، في مسعى يفهم منه إطلاق عملية سياسية طموحة بشأن سوريا . اختيار جنيف مكاناً لهذه المباحثات يرمز بوضوح إلى الاستناد إلى مرجعية "جنيف1" و"جنيف2" ، مع الإفادة مما تتميز به سويسرا كواحد من أكثر بلدان العالم حياداً، من جاذبية لعقد مثل هذه المباحثات التي تتناول أكبر الكوارث في القرن الحادي والعشرين . المبعوث الأممي جي دي ميستورا ينشط في توجيه الدعوات والتحضير للمباحثات، وذلك على خلفية معرفته بجوانب الأزمة السورية وكذلك بالفرقاء السوريين منذ توليه مهمة مبعوث أممي وذلك مع تكليفه بهذه المهمة ابتداء من العاشر من يوليو/ تموز الماضي خلفاً للأخضر الإبراهيمي .
يمكن النظر إلى هذا التطور المهم في ضوء العوامل التالية:
العامل الأول: يتمثل في فشل خطة دي ميستورا الخاصة بوقف إطلاق نار في حلب يهيء لتقديم مساعدات إنسانية، والانتقال إلى تطبيق التجربة في مدن أخرى . الخطة اصطدمت بعوائق موضوعية وموضعية أيضاً، فالأطراف المتواجهة في المدينة السورية الثانية شمال البلاد تتبادل عدم الثقة فيما بينها، ويخشى كل منها استغلال الطرف الآخر وقف إطلاق النار لو حدث، من أجل التحشيد ضد مناطق أخرى ومهاجمتها، وعليه لم يُبدِ أي طرف استعداده لوقف إطلاق النار، والذي حدث هو العكس من ذلك إذ جرى التعامل مع الخطة من قبل الأطراف المتنازعة كمناسبة لتحسين وضع كل منها على الأرض، ما سعّر من المواجهات ووسّع نطاقها . هذا فضلاً عن صعوبات موضعية تتمثل في عدم الجهوزية لاستقدام قوات أممية تضمن وقف إطلاق النار . وبينما رحبت الحكومة السورية بالخطة . ولكن من دون تقديم ضمانات كافية لإنجاحها، فقد اعترضت المعارضة على الخطة كونها مجزوءة أولاً ، ولأنها غير مرتبطة بحل سياسي من جهة ثانية . الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اقتنع من جهته بعد نحو ستة شهور على طرحها، بعدم واقعية الخطة وبعدم استجابتها لمتطلبات حل الأزمة، وقام بتكليف المبعوث دي ميستورا (إيطالي/ سويدي) بوضع معالجة سياسية لا ميدانية للأزمة الطاحنة . وهذا ما كان .
العامل الثاني: فشل المبادرة الروسية التي جمعت الحكومة السورية ومعارضين لها (معظمهم من معارضة الداخل) في العاصمة الروسية في جولتين تفاوضيتين . بالرغم من أن تلك المبادرة حظيت بتغطية من الأمم المتحدة وعدم اعتراض أمريكي . لقد أريد بصورة من الصور لهذه المفاوضات أن تكون بديلاً واقعياً لمفاوضات جنيف، إلا أن السقف المنخفض للتوقعات التي واكبت مفاوضات موسكو، ومقاطعة الائتلاف المعارض الذي يحظى باعتراف دولي بالرغم من تقلص وزنه السياسي، وكذلك ضعف الإرادة السياسية للدولة المضيفة (روسيا) في السعي للتوصل إلى تسوية جادة، وذلك نظراً للعلاقة الوثيقة التي تربطها بدمشق، وغموض مرجعية المفاوضات، كل ذلك أدى إلى فشل مبادرة "موسكو1" و"موسكو2" في شتاء العام الجاري، وظهورها كمناسبة لتبادل الأحاديث والتقاط الصور لا غير، بالرغم من مكابرة بعض المشاركين والمضيفين بادعاء نجاحها .
العامل الثالث : يتعلق بالتقارير التي تصدرها الأمم المتحدة عن حجم الكارثة التي ينوء الشعب السوري تحت وطأتها، واستخدام أسلحة محرمة، والتفاقم المطرد للأزمة، والتصريحات المتوالية للأمين العام عن العار الذي يلحق بالمجتمع الدولي نتيجة التقاعس المديد في وضع حد لهذه الأزمة . ومن الواضح أن بان كي مون لا يرغب في أن يترك للتاريخ (تنهي ولايته العام المقبل) ذكرى احتدام هذه الأزمة واستطالتها، مقترنة بالعجز المتكرر للمنظمة الدولية التي يتولى أمانتها عن اجتراح حل لها . بان كي مون الكوري يعرف الأثر المرير لمثل هذه الأزمة على واقع الشعب السوري ومستقبله، بالنظر لما يعانيه الكوريون من انقسامهم كشعب بين دولتين يحكم العداء التام بينهما .
العامل الرابع: ويتصل بالمستجد الأهم في منطقتنا منذ نحو شهر والمتمثل بالانفجار الإقليمي للأزمة اليمنية كما تجسده "عاصفة الحزم/ عاصفة الأمل" التي تشارك فيها زهاء عشر دول عربية . في واقع الأمر أن ثمة عناصر إقليمية مشتركة غير خافية بين الأزمتين اليمنية والسورية . لقد أدى فشل الأمم المتحدة عبر مبعوثها جمال بن عمر إلى اليمن إلى حدوث انقلاب في هذا البلد، ثم نشوب عاصفة الحزم . ومغزى ذلك أن الحلول العسكرية ذات الطابع الإقليمي باتت هي البديل عن فشل الفرقاء المحليين، وإخفاق الأمم المتحدة . وليس سراً أن المعارضة السورية باتت تطالب بأن تشمل "عاصفة الحزم" سوريا وألا تظل مقتصرة على اليمن .
باستشعار هذه المخاطر الداهمة ، وبالإصغاء إلى المهمات الجوهرية لموقع الأمين العام في حفظ الأمن والسلام في العالم ، وحل المنازعات بالطرق السلمية، فقد أوكل بان كي مون إلى مبعوثه ميستورا مهمة المسارعة إلى إجراء مباحثات مع سائر أطراف الأزمة السورية ومع فرقاء إقليميين ودوليين من بينهم هذه المرة إيران ، في محاولة جادة لوضع حل للأزمة السورية الطاحنة التي تقترب من شهرها الخمسين .
المأمول أن يكون حظ هذه الفرصة من النجاح أفضل من سابقاتها . وأن تكون بعض الأطراف الدولية قد استخلصت المغزى من طول أمد هذه الأزمة على علاقاتها العربية، وعلى نظرة الشعب السوري لموسكو، وكذلك من فشل مبادرتها في جمع الأطراف للتفاوض ما بينهم، وأن تدفع من جهتها هذه المرة نحو تسوية جادة، تكفل للسوريين أن يبلسموا جراحهم، وأن يعيشوا بأمن وحرية وكرامة أسوة بسائر الشعوب .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"