النساء كسلاح حرب

03:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. غسان العزي

نجحت الولايات المتحدة في منع مجلس الأمن الدولي من تبني مشروع قرار تقدمت به ألمانيا يتعلق بالاغتصاب كسلاح حرب خلال النزاعات والحروب والهجرات، ويطالب بحماية ورعاية ومعالجة ضحاياه وحق النساء المغتصبات الحوامل بالإجهاض. واشترطت واشنطن تعديله؛ من أجل التصويت عليه؛ وذلك بإلغاء الفقرة منه المتعلقة بالإجهاض والصحة الجنسية والإنجابية للنساء المغتصبات. وقد عبّر السفير الفرنسي في مجلس الأمن عن امتعاض بلاده، قائلاً: إنه «من غير المقبول والمفهوم أن يعجز مجلس الأمن عن الاعتراف بحق النساء والفتيات ضحايا العنف الجنسي إبان الحروب والنزاعات، واللواتي لم يخترن الحمل بمحض إرادتهن، أن يخترن وقف هذا الحمل؛ (أي الإجهاض)». وهكذا فقد صدر القرار في 23 إبريل/نيسان الجاري، بأغلبية 13 عضواً، وامتناع الصين وروسيا عن التصويت.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن المدنيين ولاسيما النساء والأطفال، يمثلون النسبة الأعلى من ضحايا الحروب في يومنا هذا. وخلال هذه الحروب غالباً ما تقع النساء ضحية لكل أشكال العنف الجنسي من اغتصاب وابتزاز وغيرهما، وهذا ما بات منتشراً جداً؛ رغم الكلام القليل عنه في وسائل الإعلام. وغالباً ما يستخدم هذا العنف لأغراض عسكرية وسياسية؛ وذلك من قبل الميليشيات والجيوش النظامية والجماعات المسلحة غير الحكومية؛ بل أحياناً من قبل عناصر من قوات حفظ السلام، رغم أن الأمم المتحدة لا تبدي البتة أي قدر من التسامح مع مثل هذه الجرائم.
والاغتصاب كتكتيك حربي هدفه زعزعة الأمن، وإرهاب السكان، وتدمير مجتمعهم، وتغيير التشكيل الإثني والعرقي للأجيال المقبلة في منطقة معينة. فبحسب منظمة «هيومن رايتس ووتش» في جمهورية الكونغو الديمقراطية، على سبيل المثال، يستخدم الاغتصاب؛ لمعاقبة المدنيين، الذين ينتمون إلى جماعة إثنية معينة أو لأنهم يُتهمون بمساندتهم للعدو.
وبسبب الخشية من ردود الفعل الانتقامية، وفي ظل غياب الأمن والحماية والخدمات الاجتماعية والصحية والشعور بالعار والخوف من نظرات الأهل والمجتمع وغيره، فإن حالات الاغتصاب لا يعلن عنها كثيراً؛ بل غالباً ما يتكتم ضحايا الاغتصاب عليه؛ بسبب القناعة أن أحداً لن يعاقب الجناة. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن كولومبيا وساحل العاج والكونغو وبيرمانيا والصومال وجنوب السودان ودارفور هي مناطق تتكرر فيها حالات العنف الجنسي، وأن أكثر من ستين ألف امرأة تم اغتصابهن خلال الحرب الأهلية في سيراليون (1991-2002) وأربعين ألفاً في ليبيريا (1989-2003) وحوالي نصف مليون في رواندا عام 1994 خلال الحرب بين التوتسي والهوتو، والتي أوقعت أكثر من مليون قتيل، وأكثر من مئتي ألف منذ 1998 في الكونغو. في هذا البلد الأخير باتت هذه الجريمة واسعة الانتشار كسلاح حرب يتم خلالها خطف النساء من قبل الجماعات المسلحة، ووضعهن في مخيمات اعتقال.
كذلك فإن حالات الاغتصاب والعنف الجنسي والابتزاز في مقابل خدمات جنسية كثيراً ما تتم خلال الهجرة من مناطق إلى أخرى خلال الحروب والنزاعات. ففي تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية تعرضت مئات النساء، اللواتي كنَّ في طريق الهرب من العراق وسوريا خلال الحرب إلى أعمال عنف جنسية وجسدية، إضافة إلى استغلال وابتزاز جنسيين. حدث ذلك في طريق السفر وأحياناً داخل دول أوروبية، على يد قطاع طرق أو موظفين في مؤسسات إنسانية أو من مهاجرين آخرين. وهذا العنف الجنسي يمكن أن يحدث في أي مكان، في السفينة أو على الطريق البري أو في منطقة الترانزيت أو في مخيم اللاجئين، ليس هناك من مكان آمن للنساء، اللواتي تسيطر عليهن مشاعر الخوف والقلق من المصير المجهول.
ومن المعروف أن للاغتصاب والعنف الجنسي آثارهما الجسدية والمعنوية والنفسية والاجتماعية الخطرة والدائمة على المرأة الضحية؛ وذلك في ظل غياب العدد الكافي من المنظمات والجمعيات المختصة بمعالجة ومحو مثل هذه الآثار.
والاهتمام بهذا الموضوع لا يمتد إلى أمد طويل؛ رغم أنه موجود منذ زمن طويل، وعرفته الحروب والاحتلالات؛ لكنه انتشر بشكل ملفت في تسعينات القرن المنصرم، لاسيما مع مجازر البوسنة؛ حيث وضعت النساء المسلمات في مخيمات؛ بغية «تطهيرهن» بالدم الصربي؛ عبر الاغتصاب، ثم رواندا والكونغو وغيرهم. وقد زاد الاهتمام به مؤخراً مع جرائم تنظيم «داعش» بحق النساء الإيزيديات وغيرهن في العراق، وظهرت جمعيات ومنظمات غير حكومية، تسلط الضوء على هذا الموضوع. ففي 5/10/ 2018 منحت جائزة نوبل للسلام إلى الطبيب النسائي من كونغوليا دنيس مكويج، والشابة الإيزيدية الناجية من جحيم «داعش» ناديا مراد، كما أن الناشطة الفرنسية سيلين باردي أسست في عام 2014 منظمة غير حكومية «لسنا سلاح حرب» متخصصة بالعنف الجسدي إبان الحروب والهجرات. يمثل قرار مجلس الأمن الأخير خطوة متقدمة في طريق المعالجة الجدية لهذه الظاهرة؛ لكنها خطوة قصيرة في طريق طويل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"