في حساب الوطن

04:25 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

كل ما نستمع له اليوم من رسائل تحفيزية بقوالب عصرية، كان أمام أعيننا دائماً، في سيرة حياة الكبار المولودين في زمن شحت فيه الحياة على طالبيها، فمنيت المجتمعات بخسائر فادحة سببها تقلبات العصر، وضرب أهل الخليج في عقر مورد رزقهم الطبيعي، حتى تفرق كثر بحثاً عما يكسو العظم مخلفين من لم تسعفه الحيلة يصارع الانتظار والوقت، حتى جاء الفرج لا صدفة، بل عزماً وصبراً، فقد رأى المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، فرصاً كامنة في البر والبحر والجو، لم يصدقها كثر حتى قبل عقدين.
يعلمنا دعاة التحفيز أن ننظر في قلب المصيبة ونستخلص العبر، وأن نقف في دواخلنا بكل ما أوتينا من جلد وإصرار، وأن نقاوم رغبة في الكسل والانهزام، وأن نفعل كل ذلك بثقة بالغة منبعها إيماننا بأن الطاقات الإبداعية فينا مقسومة كالأرزاق تماماً وهي في متناول العمر لو أننا شرعنا للكون بصائرنا، أوليس ذلك هو ما فعله الأولون وهم يشقون في البحر موانئهم ومساكنهم، ويخططون مساراتهم في السماء بحثاً عن إجابات لأسئلة المستقبل؟
يقول الشاعر الدكتور مانع سعيد العتيبة «لم يصنع البترول وحده شعبنا، رغم استجابة خيره المناسب، بل هم الأولون ممن أعطوا هذه الأرض ولاء ومحبة حتى غدا وطن المحبة رائعاً»، وفي رصيده ما وضعه الراحلان الشيخ زايد والشيخ راشد ومن جاء بعدهما من منجز أصله الإنسان، تراه مقبلاً، متسامحاً، باذلاً كل نفيس من العمر والوقت والدم، لأنه ركيزة أساس في رصيد الغد الوطني، فلم يصنع النفط ما يراه العالم إلا بقدر الاستجابة لمتطلبات مرحلة التأسيس والنشوء، بل صنعته العودة كل يوم لطرق باب من أبواب الفرص إقليمياً ودولياً بسواعد أبناء وبنات الإمارات.
الرصيد الذي يحمله كل منا هو وطن وقصيدة وإرث ثقافي نستمد منه عزمنا وعطاءنا وهو ما سنودعه في حساب الوطن بمرور العمر ونضوج التجربة، بدءاً بالمخيلة الإبداعية وما تجود به من شعر ونثر وأغان، وبالوعي الواضح المرتبط بالمعنى والقيمة لوجود الاتحاد واستدامته فينا - نحن حملة شعلته - وبمحصلة سنوات التعليم والتدريب والتطوير في صروحنا الأكاديمية ومؤسساتنا، وبخلاصة خبراتنا في مجالات الحياة المختلفة، وبتقديمنا لأنفسنا كشخصيات مؤثرة في محيطها، مساهمة في نقل رسائل الابتكار والاستدامة واستشراف المستقبل.
الرصيد الذي سنودعه في حساب الوطن، هو كلماتنا المنطوقة عبر منصات - لا تنسى - ورسائلنا المدونة والموثقة صوتاً وصورة، والمقروءة في كتب هي جدلية العصر الجديد وسر استمراره، وهي تلك الأصوات الإيجابية المقرونة بالأحداث المحورية، وبالمواقف الحكيمة والمتزنة من صراعات العالم وتقلباته، وهو الموقف الذي يسجله أحدنا عندما تعاكسه الظروف، فيقرر أن يقاوم صوتاً داخلياً يأمره بالتوقف عن تحقيق أحلامه، الرصيد هو حكاية الوطن التي يحملها كل منا لأبنائه وأحفاده ممن سيستقبلون الغد بصدور مفتوحة على كل الخيارات، ناهلين من حساب الوطن وحده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"