تركيا تعكر مياه البحر المتوسط

03:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

رمت تركيا حجراً كبيراً في مياه البحر المتوسط العكرة أصلاً لتزيد مستوى عَكَره، بإعلانها توقيع اتفاقية دفاعية وبحرية مع حكومة فايز السراج في طرابلس، ما يضعها في صدام مع قبرص اليونانية واليونان وحلف الناتو ومصر أيضاً. وأثارت الخريطة التي نشرتها تركيا للحدود البحرية، ردود فعل أوروبية ودولية صاخبة تصف ما تفعله أنقرة بأنه تجاوز للعقل والقانون. وتخترق الخريطة الجزر اليونانية بما فيها جزيرة كريت وتعمق السيطرة التركية على نصف البحر المتوسط شرقاً لمسافة 200 ميل بعيداً عن الساحل التركي وهو ما لا تملكه دولة أخرى أكثر إطلالاً على الساحل البحري مثل مصر واليونان.
ويبدو أن تركيا بعد أن ضمنت الحياد الروسي في شمال سوريا وسيطرتها على شريط حدودي واسع وعريض وموافقة ضمنية أمريكية، ازدادت شهيتها للتوسع بحرياً بهدف الاستحواذ على حصة من غاز شرق المتوسط الذي بدأ كيان الاحتلال «الإسرائيلي» في استثماره وتصديره منذ فترة إضافة إلى مصر في بحرها قبل ذلك.
وتنقب تركيا التي سيطرت على قبرص الشمالية سنة 1974، عن الغاز قبالة سواحل شمال قبرص ما أثار ردود فعل غربية، باعتبار أن لا أحد اعترف بجمهورية قبرص التركية.
ما تقوم به تركيا في اتفاقها مع حكومة الوفاق الليبية غير قانوني، ويخرق القانون الدولي وترسيمات الحدود البحرية في هذا المجال. فالقانون الدولي يمنح تركيا 12 ميلاً بحرياً لكنه يمنح أيضاً حدوداً اقتصادية أكبر من ذلك، إلا أن تركيا تجاهلت اليونان وجزرها وقبرص في مذكرة التفاهم مع حكومة السراج، ورسمت حدودها البحرية بناء على الجرف القاري لتتقاسم مع ليبيا نصف مساحة شرقي البحر المتوسط.
ويلاحظ أن الاتفاق يتعارض مع التفاهمات المصرية -اليونانية- القبرصية، حول الحدود البحرية بين هذه الدول، وألحقت تركيا والسراج الاتفاق البحري بمذكرة عسكرية للدفاع بين الطرفين، في مؤشر خطير يمس مصر في الصميم. وكلنا يعلم مدى التورط التركي في دعم حكومة السراج بالسلاح والتدريب رغم الحظر الدولي ودعم «الإخوان» المسلمين وعملياتهم الإرهابية في مصر.
فتركيا تبحث عن قاعدة لها في شمال إفريقيا لمحاصرة مصر أولاً، وهي عدو جماعة «الإخوان» التي توفر لها تركيا الملاذ والدعم وتريد بواسطة مسلحي «الإخوان» في ليبيا وفلول الجماعات الإرهابية الذين نقلتهم من سوريا إفشال أية تفاهمات سلمية يمكن أن توقف نزيف الدم الليبي. وترمي تركيا إلى إضفاء طابع رسمي على تعاونها مع حكومة السراج لإمدادها بالسلاح وترجيح كفتها في المعارك ضد الجيش الليبي بقيادة الجنرال حفتر من جهة والحصول على حصة من فاتورة إعادة إعمار ليبيا لاحقاً واستثمار الغاز الليبي مباشرة، خاصة لأن الاقتصاد التركي أصيب بركود خلال السنوات الأخيرة.
وكانت تركيا عرضت على «إسرائيل» أن تكون مصباً لتصدير الغاز الذي تسرقه من البحر الفلسطيني نحو أوروبا لكن بعد تردي العلاقات بين الطرفين تم إغلاق ملف المفاوضات بين الطرفين ووجدت تركيا نفسها لاحقاً خارج منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم «إسرائيل» وقبرص اليونانية واليونان وإيطاليا والأردن وفلسطين ومصر. وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي زار بيروت قبل فترة أثار ملف الغاز في المتوسط مع المسؤولين اللبنانيين، بل ذهب إلى حدّ القول إنّ تركيا تنوي بمساعدة روسيا تشكيل منتدى يضم لبنان وسوريا وقبرص الشمالية. وبالطبع كان هذا المشروع غير واقعي فلجأت تركيا إلى هذه الخطوة بترسيم حدود بحرية مائلة لتصل إلى الحدود الليبية وفي ذهنها فرض نفسها على الخريطة الغازية جيوسياسياً. فقد قالت الخارجية التركية عن الاتفاق .
وزعمت تركيا في سياق ردها على انتقادات اليونان لترسيم حدود بحرية بين البلدين، بينما يوجد بينهما جزر تابعة لليونان، أنّ الجزر لا يمكن أن يكون لها تأثير غير متوقع على الإسقاط الساحلي لتركيا، البلد الذي يتمتع بأطول خطّ قاري في شرق البحر المتوسط، وأن الجزر التي تقع على الجانب المعاكس من الخط الوسطي بين جزيرتين رئيسيتين لا يمكن إنشاء مناطق الاختصاص البحري خارج مياهها الإقليمية، وأنه يجب أخذ طول واتجاه السواحل في الاعتبار عند تحديد مناطق الاختصاص البحري.
الخطوة التركية بعد موافقة البرلمان التركي تصبح نافذة لأنه لا يوجد لحكومة السراج سيطرة على البرلمان الليبي المتمركز في بنغازي، فحكومة السراج لا أهلية لها لتوقيع اتفاقات حدودية دولية بموجب اتفاق الصخيرات بين الأطراف الليبية وانتهت فترة صلاحيتها بموجب ذلك. وعند عرض الاتفاق على الأمم المتحدة لاعتماده من المنتظر أن يثير جدلاً قانونياً، ولا يعتقد أن المنظمة الدولية ستأخذه بعين الاعتبار، بل إن هذا الاتفاق سيزيد من تعقيد العلاقات المتوترة أصلاً بين حلف الناتو وتركيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"