سؤال ما بعد «كورونا»

05:07 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

التعليم العالي عصب الحراك البشري نحو الغد، وجوهر الاقتصاد القائم على المعرفة الذي كان يشهد تغييرات نوعية قبل أن تفاجئ القائمين عليه جائحة كورونا، وتحرق عليهم مراحل التفكير والتخطيط، فتنقلهم إلى وضع «الطوارئ» حيث طلبت منهم ردود فعل مباشرة وسريعة للتعامل مع أزمة أثرت في جميع عناصر العملية التعليمية بلا استثناء.
أما القيادة التربوية فاضطرت إلى تغيير مسارها الاستراتيجي، وإعادة جدولة المشاريع التطويرية، وتنظيم فرق العمل وفق مؤشرات أداء مختلفة، وضعت بدورها المعلم في مواجهة تحديات الزمن والمنصة وبيئة العمل المنزلية وثقافة الطلبة ووعيهم وحاجاتهم المختلفة، هؤلاء الذين يمثلون محوراً رئيسياً، ويتعرضون بدورهم لإشكاليات ترتبط بثقافتهم الاجتماعية، وقدراتهم المالية والبيئة التعليمية الافتراضية التي تحتاج لتهيئة بيئة منزلية مستقرة ومحفزة لحس المشاركة والمسؤولية واتخاذ القرارات المتعلقة بالمستقبل المهني، مما يضعنا أمام طرف آخر وهو الأسرة والكيفية التي تتعامل فيها مع متغيرات تكنولوجية تتطلب المزيد من الانفتاح على خيارات لم تكن في قائمة الطموحات والأهداف المستقبلية.
هناك قلق عالمي مرتبط بقطاعات التعليم المختلفة وله مصادر عدة أبرزها التخوف من أن تحل الأدوات والمنصات التعليمية المتطورة محل العنصر البشري وذلك في المجتمعات ما بعد الصناعية القائمة على اقتصادات المعرفة وفكر الاستدامة، وما يقابل ذلك من تراجع رهيب في مستويات التحصيل الأكاديمي عند مجتمعات لا تزال غارقة في عتمة الأمية الرقمية، وقد تضررت بشكل كبير، حيث تسبب وباء كورونا بتخلف ١.٦ مليار شاب وطفل في ١٦٦ دولة عن التعليم حسب إحصائيات البنك الدولي الأخيرة، مما يهدد بآثار تتمثل في خسائر التعلّم، زيادة معدلات التسرب من الدراسة.
إن استعداد الأنظمة التعليمية المتقدمة للتعامل مع الأزمات الكبرى وقدرتها على التكيف بمرونة وتحقيق النتائج الإيجابية في وقت قياسي، يجب أن يتعامل معه كفرصة إيجابية لمد يد العون لمن يحتاج إليها من الدول التي لا تزال تعاني خللاً في أنظمة تعليمها، وهناك أشكال تعليمية يمكن النهوض بها من خلال الشراكات مع عمالقة السوق الرقمية، ومشروع «ألف للتعليم» هو أحد تلك الأمثلة التي يمكن تبنيها في مختلف أنحاء العالم وبكل اللغات، وهو مشروع مبني على منهج «شخصنة البيانات» وقد تبنته دولة الإمارات العربية المتحدة عام ٢٠١٥ بمساعدة ٣٠٠ خبير عالمي، ليهتموا بتطوير المناهج باستخدام التكنولوجيا والابتكار.
بقي سؤال ما بعد كورونا، وهو سؤال المهارات بامتياز خصوصاً أن المؤشرات تنبهنا إلى أن المهارات الأساسية المطلوبة لأداء معظم الوظائف ستتغير بنسبة ٤٢٪ بحلول ٢٠٢٢، ويبدو أن كورونا عجل بالأمر، فلم يترك لنا مجالاً للتفكير، فإما أن نتقدم، أو نبقى على القارعة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"