أردوغان صانع السلام

04:24 صباحا
قراءة 4 دقائق

إن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يواجه تحدياً صعباً للغاية، فبعد المشاركة في مؤتمر الأمن النووي في كوريا الجنوبية في نهاية مارس/آذار ذهب إلى طهران من أجل حث القادة الإيرانيين على إبرام صفقة خلال الجولة المقبلة من المحادثات النووية بين إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) إضافة إلى ألمانيا . سوف يستضيف أردوغان هذه المحادثات في أسطنبول في منتصف إبريل/نيسان الحالي .

لقد سافر أردوغان إلى طهران في مايو/أيار 2010 من أجل التوصل لاتفاقية قام بالتفاوض بشأنها وبموجبها تقوم إيران بإرسال كميات كبيرة من اليورانيوم قليل التخصيب لتركيا مقابل وقود نووي لمفاعل الأبحاث الإيراني . إن الاتفاقية التي قامت تركيا والبرازيل بالوساطة بشأنها تم تقديمها إلى بقية العالم مبادرة رائدة لبناء الثقة .

لكن الولايات المتحدة وحلفاءها سارعت إلى رفض الاتفاقية واعتبرتها خدعة إيرانية تهدف إلى إيقاف الزخم المتنامي لفرض المزيد من العقوبات . إن إصرار تركيا على المضي قدماً في ما يتعلق بالصفقة تسبب في حدوث توتر مع الولايات المتحدة ونتج عنه تزايد الانتقادات في تركيا وخارجها بأن حكومة أردوغان قد ابتعدت عن تحالفها الذي بدأ منذ أمد بعيد مع الغرب .

إن ذكرى هذه الأزمة القصيرة الأجل لا تزال حاضرة في دوائر الحكومة التركية . إذن لماذا بعد أن أحرق أصابعه قبل عامين يقوم أردوغان بإثارة هذه القضية مجدداً؟ ماذا كان يأمل أن يحقق في طهران؟

لقد تغير الكثير في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين ولم يكن هذا التغيير في مصلحة تركيا، ونتيجة لذلك فإن تركيا تسعى الآن إلى احتواء وضع أمني اقليمي يزداد سوءاً بشكل متسارع .

إن الأحداث في سوريا تجبر السلطات التركية على قبول الحقيقة المرة المتعلقة بصلابة نظام الأسد والعداء الحالي لذلك النظام تجاه تركيا . إن العراق وهو أحد جيران تركيا الآخرين يواجه خطر إطالة أمد الصراع الطائفي على السلطة بعد انسحاب القوات الأمريكية .

إذا أخذنا ذلك في الحسبان فإن الهدف الرئيسي لتركيا هو منع التدخل العسكري في إيران، فطبقاً لوجهة النظر التركية فإن أي ضربة إسرائيلية أو أمريكية للمنشآت النووية الإيرانية سوف تؤدي إلى زيادة حالة عدم الاستقرار في المنطقة، حيث إنه مما لا شك فيه أن إيران سوف ترد وذلك عن طريق اثارة المزيد من التوترات وتقويض أي إمكانية لإيجاد تسوية في كل من سوريا والعراق .

إذا أخذنا ذلك بعين الاعتبار فإن تركيا ترغب بأي ثمن في إطالة أمد الوقت المتاح للدبلوماسية . لكن الهدف المحدد لأردوغان هذه المرة كان أكثر تواضعاِ مقارنة بسنة 2010 لأن تركيا لا تريد أن تلعب دور الوسيط ولن تسعى للتفاوض في ما يتعلق بتفاصيل اتفاقية ما .

لقد أكد أردوغان لنظرائه الإيرانيين تصميم المجتمع الدولي على جعل البرنامج النووي الإيراني شفافاً، وركز على أهمية إحراز تقدم ملموس في الجولة المقبلة من المحادثات النووية . لقد حذر من أن أي تصلب إيراني سوف يحكم على المحادثات بالفشل ما سوف يزيد من إمكانية مواجهة عسكرية اخرى في الشرق الأوسط .

لقد أكد أردوغان على وجه الخصوص حاجة إيران لأن تعرض بادرة حسن نية في ما يتعلق ببرنامجها النووي . يجب على النظام الإيراني على أقل تقدير أن يلزم نفسه بوقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% أي رقم أقل من النسبة المطلوبة لإنتاج الأسلحة . لقد عقد أردوغان اجتماعات مباشرة مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ولقد كان في موقف فريد من نوعه كونه رئيس وزراء دولة عضو في حلف الناتو حيث مكنه ذلك من أن ينقل هذه الرسائل الحيوية إلى نظام لا تزال سلطة اتخاذ القرار فيه غامضة بالنسبة للغرب .

من المفارقات أن مهمة أردوغان وإن كانت أكثر تواضعاً مقارنة بسنة 2010 أصبحت اليوم أكثر صعوبة بسبب امكانية فرض عقوبات على إيران، بما في ذلك منع صادرات النفط ابتداء من يوليو/تموز . إن مناصري العقوبات يرون أن لتلك العقوبات تأثيراً معطلاً للاقتصاد الإيراني . لقد انخفضت قيمة الريال الإيراني بنسة 50% مقارنة بالدولار الأمريكي منذ بداية العام حيث تعاني إيران نقصاً حاداً في النقد الأجنبي .

إن أوباما الذي سوف يخوض الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني لا يرغب في أن يتم اتهامه على أنه متساهل مع إيران ما سوف يجعل من الصعوبة بمكان على الغرب أن يتجاوب مع أي مبادرات حسن نية من قبل إيران .

إن أفضل حليف لأردوغان في هذه المناورة التي تنطوي على المخاطرة هو المستهلك الأمريكي، فالأمريكان الذين يواجهون تصاعد أسعار الوقود نتيجة للأزمة الحالية مع إيران قد ازدادت مخاوفهم من تكلفة قيادة سياراتهم، وهذا أسهم في معدلات شعبية أوباما المتواضعة في استطلاعات الرأي، وهكذا فإن من الممكن أن تجد إدارة أوباما أن أفضل طريقة مناسبة من الناحية السياسية التوصل لصفقة مع إيران . لو أظهرت إيران رغبة حقيقية بالتوصل لتسوية فإن الغرب سوف يوقف عملية فرض عقوبات جديدة .

سوف يتضح قريباً ما إذا كانت زيارة أردوغان قد نجحت . لو قررت إيران أن تنخرط مع المجتمع الدولي بإجراءات ملموسة لبناء الثقة خلال الجولة المقبلة من المحادثات متعددة الأطراف فإن أردوغان سوف يأخذ الكثير من الفضل بسبب إعطائه فرصة أخيرة للدبلوماسية ونجاحه في منع مواجهة عسكرية كارثية محتملة في الشرق الأوسط .

* رئيس معهد ايدام للأبحاث ومقره اسطنبول والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"