رسالة «إسرائيلية» لمن يهمه الأمر

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
أحياناً لا تكفي الكلمات لإبلاغ رسالة ما، وهذا ما فعلته «إسرائيل» بغارتها على الموقع الحكومي السوري شرق مصياف في ريف حماة الغربي قبل أسبوع. الرسالة الصاخبة جاءت معبأة بمعاني الغضب والقلق والتحذير، فضلا عن رغبة عارمة في إثبات الوجود. كل من يهمه الأمر تلقى الرسالة واستوعب مضمونها لاسيما الأطراف المعنية: روسيا، والولايات المتحدة، وإيران، والنظام السوري.

لكن ما الذي تريد «إسرائيل» أن تبلغه إلى هؤلاء؟ ولماذا اختارت هذا التوقيت؟ ثم لماذا هي غاضبة ومما تقلق؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تستلزم العودة إلى شهر يوليو/ تموز الماضي حينما اتفقت الولايات المتحدة وروسيا مع الأطراف المحلية على إبرام اتفاقية الهدنة في جنوب سوريا. وقتها تحدث مسؤولون «إسرائيليون» بغضب عن تجاهل الدولتين الكبيرتين للتحفظات والرغبات التي أبدتها حكومتهم وطلبت أخذها في الاعتبار قبل توقيع الاتفاق.

التحفظ «الإسرائيلي» الأول والأهم كان بشأن الوجود العسكري لإيران وحزب الله بالقرب من المنطقة التي يشملها الاتفاق وفي الأراضي السورية عموماً. أثار الموقف الأمريكي الروسي استياء «إسرائيلياً» بالغاً. وكان لابد من التعبير عنه عملياً، وهو ما حدث صبيحة السابع من سبتمبر(أيلول) الجاري بالغارة على المنشأة السورية.
غير أن تجاهل التحفظات «الإسرائيلية» بشأن اتفاق هدنة الجنوب لم يكن هو الدافع الوحيد لشن الغارة. لدى «إسرائيل» حسابات أخرى معقدة حفزتها لاختيار هذا الأسلوب العنيف، لاسيما في التوقيت الحالي الذي اختارته بعناية. لا يخفى على«الإسرائيليين» أن الحرب توشك على الانتهاء لصالح النظام السوري المدعوم من روسيا. ومثل أي حرب فإن التسوية السياسية أو الاتفاق بأي صيغة وتحت أي مسمى هي المرحلة التالية.
هنا تريد «إسرائيل» فرض نفسها كطرف معني لا يمكن تجاهله، أو ضرب عرض الحائط بمصالحه. وإذا كانت روسيا وأمريكا قد تجاهلتا هذه المصالح في اتفاق الجنوب فمن غير المسموح به تكرار ذلك في الاتفاق النهائي، إذا قدر له أن يرى النور. لذلك حرصت الحكومة «الإسرائيلية» على إبلاغ كل من يهمه الأمر أن بوسعها نسف الوضع برمته وقتما تشاء.
وفي كل الأحوال يظل الوجود الإيراني هو الهاجس الذي يؤرقها خاصة مع اقتراب تحرير دير الزور ومن ثم اقتراب إيران من تحقيق حلمها بفتح طريق الإمداد إلى سوريا عبر العراق وصولاً إلى لبنان.
السؤال بعد ذلك هو هل ستحقق مثل هذه الغارات الهدف الذي تريده «إسرائيل»؟
لصحيفة «هآرتس» العبرية وجهة نظر مفادها أن هذا التصرف سلاح ذو حدين: إما أن يحقق هدفه، أو يأتي بنتيجة عكسية. ترى الصحيفة أن الحسابات «الإسرائيلية» قد لا تكون صائبة. وأن استهداف المنشآت السورية قد يدفع الأسد لمزيد من الارتماء في أحضان إيران. كما توفر الاعتداءات ذريعة للإيرانيين لزيادة تواجدهم العسكري في سوريا. وفي كل الأحوال ومهما كانت الخسائر فإن وجود قوات تابعة لإيران في الأراضي السورية هو مكسب استراتيجي كبير ستدافع عنه بضراوة.
الروس من جانبهم لن يتقبلوا التصرف «الإسرائيلي» الذي سيعتبرونه إهانة لوجودهم العسكري في سوريا بسبب انتهاك الطائرات «الإسرائيلية» لأجوائها المحمية بالدفاعات الروسية. ومن غير المستبعد، والحديث للصحيفة «الإسرائيلية»، أن ترد روسيا بفرض منطقة حظر طيران فوق سوريا. وقد تقلص أو تلغي تنسيقها مع «إسرائيل» بشأن عمليات الطيران العسكري.

أحد المؤشرات المهمة على الغضب الروسي يمكن رصدها بسهولة من النتيجة السلبية للقمة الأخيرة التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، الشهر الماضي. انتهى اللقاء دون أن يظفر نتنياهو بهدفه وهو انتزاع تعهد روسي بانسحاب القوات الإيرانية من سوريا.
وإذا كانت «إسرائيل» قد اختارت مكان وزمان وأسلوب توجيه رسالتها، فلن يتخلى الآخرون عن حقهم في الرد بالأسلوب الذي يرونه، وفي المكان والزمان الملائمين لهم. ويبدو أن هذا ما ستفعله روسيا وإيران.
عاصم عبد الخالق
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"