دية المرأة في الفقه الإسلامي (1-3)

03:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

قالت لي باشمئزاز: ما هذه العنصرية؟ كيف يفرق الإسلام بين جنس الرجل وجنس المرأة، وهما كلاهما مسلم؟
قلت: وأين وجدت ذلك؟ قالت: دية المرأة عندكم نصف دية الرجل.
قلت: هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل ولا يُحكم على الإسلام بالعنصرية ما لم نتثبت من ذلك، ولا سيما أن الإسلام نظر إلى المرأة على أنها مساوية للرجل إلا في أمور، والإسلام أعز شأن المرأة في حين أنها كانت مهانة في الجاهلية، وعند الأمم الأخرى. وبما أن الإسلام أعاد إليها كرامتها ،فإن المنطق يحتم علينا ألا نهضم حقها إذا اعتدي عليها، أو إذا اعتدت، بل نكون منصفين لها ومعها.
والدية التي قلت إنها تصبح نصفاً إذا كانت للمرأة والجاني رجلاً فذلك لأن:
١- القصاص عقوبة، والقتل بطبيعته له أحوال ،فالقتل عمداً غير القتل خطئاً، إذن اختلاف الحكم في عقوبة هذه الجريمة وارد في الأصل.
٢- إذا كان القتل خطئاً وتقررت الدية فإن الدية إما أن تكون مالاً يدفع مقابل الجناية على النفس فيسمى دية أو مقابل الجناية على طرف ويسمى أرشاً كما يقول السرخسي في «المبسوط».
والدية عند ابن عرفة المالكي تطلق أيضاً على المال الذي يجب بقتل آدمي حر عن دمه أو بجرحه مقدراً شرعاً لا باجتهاد.
ويقول الرملي الشافعي في تعريف الدية بأنها المال الواجب بالجناية على الحر في نفس أو فيما دونها. ويقول البهوتي الحنبلي إن الدية هي المال المؤدى إلى المجني عليه أو وليه بسب جناية.
ويمكن أن نخلص من هذا إلى أن الدية هي المال المقدر شرعاً بالتعدي على النفس أو على عضو من أعضاء الجسم للمجني عليه أو ورثته كما استخلصها القاضي حسن أحمد الحمادي من محكمة أبوظبي.
٣- الدية مقدرة شرعاً كما بيّنا، أي ليست متروكة للاجتهادات الخاصة أو الأهواء، والشرع إما أن يكون قرآناً أو سنة أو إجماعاً، والقرآن الكريم أورد الدية في قوله تعالى: «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فديّة مسلّمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً» (الآية ٩٢ من سورة النساء)
وأما من السنة فيكفينا الحديث الوارد في موطأ مالك والنسائي والبيهقي ومسند الحاكم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بأن من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول، وأن في النفس الدية مئة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جدعه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السن خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل، وأن الرجل يقتل بامرأة، وعلى أهل الذهب ألف دينار.
والعلماء كما ورد في الفقه الإسلامي مجمعون على أن الدية واجبة، لأنها منصوص عليها في القرآن الكريم والسنة.
٤- اختلف الفقهاء في مسألة ما إذا كانت الدية تحسب عقوبة أم تعويضاً مالياً أم جزاء بين العقوبة والتعويض.
فمنهم من اعتبرها عقوبة وهو رأي الجمهور واستدلوا بالآية الكريمة: «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن يقتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله»، وعلى هذا فإن الناس جميعاً يتساوون في العقوبة لأنها مقدرة من الله تعالى.
ومنهم من اعتبرها تعويضاً مدنياً، واستدلوا على ذلك بأنها تتقرر في القتل الخطأ، والجاني لا يتحملها بل العاقلة أي أهل الجاني، فلو لم تكن تعويضاً مالياً لما تحملها غير الجاني.
ومنهم من قال إنها ذات طبيعة مشتركة بين العقوبة والتعويض، وقد قال العّلامة عبدالقادر عودة في كتابه «التشريع الجنائي»: «جعلت الشريعة الدية عقوبة أصلية للقتل والجرح في شبه العمد والخطأ».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"