امتحان الجودة والمستقبل

03:12 صباحا
قراءة دقيقتين
صفية الشحي

معضلة كورونا دفعتنا خارج دائرة الراحة التي اعتدنا عليها لسنوات، إلى حيث وجدنا أنفسنا دون سابق إنذار في مواجهة «العزلة» التي طالما حاولنا مقاومتها بالانغماس أكثر في الضجيج هرباً منها، لأننا خلطنا بينها وبين الوحدة، وشتان بين الاثنتين، فكم نحن بحاجة إلى الأولى لأن عالم ما بعد كورونا لن يكون كقبله، فهل نحن مستعدون للخروج من الأوضاع الراهنة بفكر مختلف ونظرة متجددة لحياتنا؟
إن التعامل مع مخاوفنا بعقلانية وحكمة هو أول خطوة نحو النجاح مع الأزمة التي خلّفها هذا المرض بأبعادها النفسية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وما نملكه كأفراد هو العمل على اكتساب المعرفة الصحيحة حول ماهية المرض وأساليب انتقاله وآثاره، عبر القنوات المتخصصة، واتباع الإرشادات والتوجيهات الحكومية بالالتزام بالنظافة العامة والتباعد بين الأشخاص.
كما أن تفعيل قاعدة «عدم النشر» هو من أهم ما يجب أن نذكر به أنفسنا كأفراد، وهي قاعدة تجنبنا الآثار السلبية لتداول الشائعات والمعلومات المغلوطة عن المرض، وحتى مقاطع الفيديو التي أراد بها أصحابها تحقيق بعض التسلية أو فرض نوع من السطوة الاجتماعية، من خلال السخرية من الآخرين أو الاستهزاء بالجهود الوطنية التي تبذلها الجهات الأمنية والصحية.
لقد أعادنا كورونا لأسرنا وأنفسنا بطريقة لم تكن في الحسبان، وقد وضعنا جميعاً، في مساحة اختبار ليست بالسهلة، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين لم يتعاملوا بهذه الكثافة مع تكنولوجيا الاتصال والتواصل. وقد كشفت الظروف عن بنى تحتية قوية، واستراتيجيات مستقبلية واضحة، تم وضعها في الميدان قبل أوانها لتثبت فعاليتها وحسن تدبير القائمين عليها. وعلى النقيض واجهت الكثير من المؤسسات أزمة حقيقية في الخروج من عنق الروتينية والبيروقراطية المؤسساتية، وربما كانت هذه فرصة مثالية لتحقيق انتفاضة متكاملة تطال ثقافة العمل وأساليب تسيير المشاريع، ولا أبالغ إذا قلت إن الأمر ذاته ينطبق على الأفراد، فهذا امتحان لخبراتنا ومهاراتنا ومناهجنا، وهو يحدد وجهاتنا في المستقبل القريب.
يقال إن العالم الشهير السير إسحق نيوتن قرر الانعزال على أثر تفشي وباء الطاعون في لندن عام ١٦٦٥، وعاد بعد التجربة محملاً بحزمة من النظريات من ضمنها نظرية الجاذبية الشهيرة، وهي القصة التي نضيء عليها في هذا المقال لنؤكد على أن العزلة كنزنا المسترد بفعل الضرورة، وهي فرصتنا للاكتشاف والتطوير ويجعل منا أشخاصاً أفضل في أسرنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"