حبس الميراث عن مستحقيه

01:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
الميراث والإرث والإراث والتراث، مصطلحات كلها تطلق على المال الموروث من شخص متوفى، والوارث هو من يستحق الميراث .
أحكام الميراث وجمعه مواريث، ثابتة في القرآن الكريم، وقد جعل القرآن للذكر من هذا الميراث مثل حظ الأنثيين لاعتبارات شرعية اجتماعية معينة .
ثم جعل لكل من الورثة فريضة محددة، ولم يتركها للأهواء والاجتهادات، ولا لسلطة الأقوى على الأضعف .
ورغم ذلك نجد في المجتمع من ينكر توريث الأنثى، فيستولي الأولاد الذكور على كل المال الموروث، ولا يعطون شيئاً للإناث .
ونجد أيضاً من يساوي بين الولد الذكر والبنت، مخالفاً بذلك القانون الإلهي الذي فرضه الخالق من فوق سبع سماوات، ونص عليه في القرآن الكريم .
والعجيب أن علم المواريث يسمى عند الفقهاء بعلم الفرائض، إشارة إلى أهميتها وأهمية إيصالها إلى مستحقيها، فهي الأنصبة المفروضة التي حددها الله تعالى وأمر بتنفيذها .
يقول الدكتور أحمد الشرباصي في كتابه "يسألونك في الدين والحياة": منع الميراث عن مستحقيه يُعد من أبشع الجرائم التي يرتكبها الإنسان .
فهو من جهة محاربة لله تعالى ودينه، ومن جهة أخرى يعد من أكل أموال الناس بالباطل، ولقد حذرنا القرآن الكريم من مثل هذا النوع من الباطل فقال: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" (الآية 188 من سورة البقرة) .
ويقول الله تعالى في آية أخرى يحذر فيها أولئك الذين يحبسون الأموال الموروثة المستحقة لأهليها، والمستحقون قد يكونون أيتاماً: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، إن الذين يأكلون أمو اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً" (الآيتان 9-10 من سورة النساء) .
أقول: إن هذه الظاهرة موجودة في كل البلاد العربية والإسلامية، مع الأسف، ذلك أن الأب يموت ويترك أموالاً طائلة، ثم يستغل أكبر الإخوة سلطته، فلا يقسم الميراث، ويعطي لهذا وذاك قليلاً من المال باسم الراتب أو باسم الإيجار، وبذلك يضيع على سائر الأولاد حق الاستفادة من مال أبيهم بالكامل .
ولاحظت أيضاً أن الإخوة لا يحسبون للبنات حسب استحقاقهن لحقهن من مال أبيهن، وهن بحكم أنهن الأضعف أو لا يردن أن يصلن إلى المحاكم، فيسكتن على ظلم الأخ أو الإخوة لهن .
والأعجب أن المال الموروث من الأب، ربما يموت عنه الأخ الأكبر المتسلط من غير تقسيم على الورثة، فيأتي مَن بعده ويمشي على ذلك المنوال من الظلم، وكلما ازدادت الأموال زاد جشع الإخوة، فأنكروا حق البنات، فبقين من غير حق .
تصور هذا الإنسان الذي جلس على هذه الأكوام من الأموال المكدسة عنده، وليتها كانت أمواله فقط، بل أمواله وأموال الآخرين، حيث تعلقت بهذه الأموال حقوق لله تعالى من زكوات مفروضة ومن صدقات مشروعة للفقراء والمساكين .
فلا الأخ المتسلط دفع زكاتها عن تلك السنين، ولا أصحاب الفرائض وصلوا إلى حقوقهم ليدفعوا عنها زكاتها، فهي لو نظرت وجدتها آثاماً على آثام .
تصور هذا الإنسان عندما يوضع في قبره ماذا يقول لرب العالمين؟ فهو لم يكن محتاجاً ولا مضطراً ولا مسلوب الإرادة، ومع ذلك فإنه أنكر حق الله تعالى وحقوق العباد، بل وحقوق أرحامه الذين أوجب الله تعالى عليه أن يصلهم وينفق عليهم لو كانوا محتاجين، فكيف وقد حبس عنهم حقوقهم من المال الموروث من أبيهم؟

د . عارف الشيخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"