هل يجوز تقطيع السمك حياً؟

02:02 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

سألت إحدى الأخوات فقالت: رأيتهم في السوق يقطعون السمكة وهي ما زالت حية، وهذا في نظري لا يجوز، لأن الله تعالى أمرنا بأن نرحم الحيوان والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته).

قلت لها: بورك فيك وفي شعورك الطيب تجاه مخلوقات الله تعالى التي أمرنا فعلاً بالإحسان إليها باعتبار أن كل ذي روح له احترام.

لكن مسألة السمك ربما تختلف عن غيرها لأن الفقهاء عندما تحدثوا عن الأطعمة المباحة والأطعمة المحرمة قسموها إلى حيوانية وغير حيوانية والحيوانية قسموها إلى مائية وبرية، وفي كل منهما أنواع يحل أكلها وأنواع يحرم أو يكره أكلها.
فالحيوان المائي هو ما يعيش في الماء ولا فرق بين الماء المالح والماء العذب، في البحار أو الأنهار أو البحيرات أو الغدران أو الآبار.
والحيوانات المائية عند الأحناف يحرم أكلها إلا السمك فإنه يحل أكله لكن بشرط ألا يكون طافياً على الماء أي ميتاً حتف أنفه، فالسمك حلال أكله عند الأحناف إذا صيد حياً وصبروا عليه حتى يموت أو يمات (انظر حاشية ابن عابدين ج 5 ص 195).
والحكمة من تحريم أكل الطافي أنه قد يكون فاسداً، وكل فاسد خبيث والخبيث محرم بنص القرآن الكريم.
والدليل على حرمة أكل السمك الطافي حديث جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ألقى البحر أو جزء عنه فكلوه، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه) (رواه ابن ماجه وأبو داوود) لكن هذا الحديث حكم بضعفه.
والجمهور على إباحة حيوانات البحر كلها من غير تذكية (ذبح) ولو كانت طافية، لكن لو تأملنا في مذهب الأحناف لوجدنا أنه أقرب إلى ما تطمئن إليه النفس، إذ كيف أقتنع بأكل السمكة الطافية وأنا لا أعلم كيف ماتت وربما تكون فاسدة أو مسمومة؟
ويذكر الفقهاء في كتبهم أن إنسان البحر مختلف فيه، فبعضهم حرم أكله وبعضهم أباحه ولعل الإباحة هي الراجح لأن الأصل الحل، والجمهور أباحوا كل حيوانات البحر.

ونلاحظ هنا أن المتأخرين كانوا يمسكون على الفقهاء ذكرهم لمثل هذه الأشياء التي كانوا يحسبونها من الأساطير أو الأمور الافتراضية، لكن المراجع العلمية الحديثة أشارت إلى إنسان الماء «سيرين sirene» بالفرنسية، وقالت بأنه حيوان أسطوري يوصف في القصص الخيالية بأن نصفه الأعلى امرأة ونصفه الأسفل سمكة (انظر معجم وموسوعة لاروس الفرنسية في كلمة (sirene).

واقرأ ذلك في دائرة معارف القرن العشرين للعلامة محمد فريد وجدي عند كلمة البحر حيوياً.

وفقهاء المالكية عندما تحدثوا عن السمك ذكروا بأنه يجوز قليه في الدهن الحار أو شيه على النار وهو حي، بل يجوز أن يفعل ذلك من غير أن يشق بطنه، وقالوا بأن هذا لا يعد تعذيباً للحيوان الحي، لأن السمك بمجرد أن تخرجه من الماء فإن حياته عذاب في عذاب، وحياته خارج الماء من غير قلي أو شي كحياة المذبوح وينطبق عليه قول القائل: «أنا الغريق فما خوفي من البلل؟». (انظر الشرح الصغير ج 1 ص 312- 322 وانظر الخرشي على مختصر خليل ج 1 ص 83).

وعند الحنفية والحنابلة والشافعية يكره شيه حياً لأنه تعذيب بلا حاجة، ولو صبر عليه لمات سريعاً من تلقاء نفسه (انظر حاشية ابن عابدين ج 5 ص 195، وحاشية البجيرمي على المنهج ج 6 ص 303، ومطالب أولي النهى ج 6 ص 328).
إذاً فإن ما ترونه في سوق السمك من تقطيعه على يد من يقوم بتنظيف السمك لا يعد تعذيباً على رأي بعض الفقهاء، لأنه سواء قطعته أو لم تقطعه فإنه في صراع مع الموت منذ لحظة خروجه من البحر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"