أزمات “إسرائيل” والغياب العربي

04:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

بما أن إسرائيل والحركة الصهيونية، هي العدو التاريخي للعرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، وهو عداء يعود الى ما قبل إنشاء دولة إسرائيل، فقد درجت العادة، خاصة بعد استكمال اغتصاب فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل، على أن تثير كل أزمة سياسية كبرى تعصف بالمجتمع الإسرائيلي، مشاعر لدى العرب والفلسطينيين تتراوح بين الشماتة بالعدو التاريخي، وبين نوع من الغبطة السياسية، التي تدفع الى الاعتقاد بأن كل أزمة في إسرائيل، تتحول بالمقابل (وآلياً) الى تقدم في مسيرة قضية العرب في فلسطين وإن كل اهتزاز داخل إسرائيل، يقابله ثبات لدى العرب، وكل هزيمة ل إسرائيل، تعني بالضرورة نصراً عربياً أو فلسطينياً.

خطر كل ذلك في ذهني وأنا أطالع أنباء الأزمة الإسرائيلية الداخلية الأخيرة، التي بدأت بفتح ملف الفساد لدى رئيس حزب كاديما ورئيس وزراء إسرائيل السابق، ايهود أولمرت، والتي تطورت فكشفت عن أزمة عميقة داخل الحزب الحاكم بين أجنحته المختلفة، مما قد يؤدي الى انفراطه، أو على الاقل الى انتخابات مبكرة ينتقل فيها الحكم، كما هو مرجح، الى حزب ليكود، فيعود نتنياهو بذلك الى رئاسة الوزراء، وتخسر تسيبي ليفني حلم أن تكون أول امرأة ترأس الحكومة الإسرائيلية، بعد سقوط غولدا مائير في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول.

هذه أزمة سياسية كبرى في إسرائيل، لا شك في ذلك، ولكن شهوراً قليلة ستمر على هذه الأزمة، تستعيد فيها إسرائيل حيويتها السياسية، ويظل الصوت الأعلى المسير لسياستها، في ظل أي حزب حاكم، هو صوت الحركة الصهيونية المتشددة والفعالة، سواء كان الحكم بيد ليكود أو العمل أو كاديما، أو حتى أحد الأحزاب الدينية المتشددة. أما على الجانب العربي (عامة) والفلسطيني (خاصة)، فستكشف الشهور القادمة نفسها أن العجز العربي والفلسطيني قد بلغ حداً لا يوصف، وأن غياب الإرادة السياسية ذات الاستراتيجية الواضحة في قضية فلسطين، قد أوجد فراغاً في الساحة العربية، فجعلها مجرد مساحة لترديد صدى الأزمات التي تنشب لدى العدو، دون وجود أي قدرة أو أي احتمال على توظيف ذلك في تسجيل نقطة عربية على إسرائيل في سياق صراعنا التاريخي معها.

حتى فشل إسرائيل الذريع في عدوانها على لبنان، المنسق مع الولايات المتحدة، لم توجد على الساحة العربية، آليات سياسية تستقطب آثاره الايجابية، وتحوله الى تقدم عربي في مسيرة الصراع التاريخي، بينما استوعبت البنية الإسرائيلية الداخلية كل سلبيات هذا الفشل، على فداحتها، فكان أقصى ثمن اضطرت إسرائيل لدفعه، هو نقل السلطة من قوة سياسية الى قوة سياسية أخرى، أما الحركة الصهيونية، بكل تطرفها التاريخي والسياسي والعملي، فقد بقيت على عرشها، لا تتزحزح عنه قيد انملة.

ليس معنى هذا طبعاً أن حركة التاريخ جامدة في منطقتنا وكسيحة لا تسير، فلا شك بأننا إذا نظرنا الى المدى البعيد في سياق صراعنا التاريخي مع إسرائيل، فإن تحولات بطيئة تتم بلا شك نتيجة لتحولات المواجهة العملية الشاملة على الأرض (بما في ذلك طبعاً المواجهة الشعبية داخل فلسطين المحتلة، وفي كل بلد عربي)، لكن حركة التاريخ هذه بطيئة جداً على الجانب العربي، إذا ما قيست بحيوية المجتمع الإسرائيلي، بالرغم من أنه مجتمع مصطنع وغاصب، بآليات حديثة لإدارة الصراع السياسي، والإفادة من كل ايجابياته، وامتصاص كل سلبياته.

هل تريدون رصد النبض الحالي لحركة الصراع؟ حسناً، قارنوا بين صراع الأشقاء على الساحة الفلسطينية، وبين استكمال مشروع تهويد الضفة الغربية والقدس، من خلال العمل اليومي الدؤوب، ومنذ سنوات، في جدار الفصل العنصري، الذي اصبح أخيراً يفصل بين بيوت العائلة العربية الواحدة في القدس.

إن تحدد الأزمات داخل الكيان الإسرائيلي، لا يحق لنا إزاءه إلا موقف واحد، هو تأمل قدرة المجتمع الإسرائيلي، في كل مرة، على تجاوز الأزمة، وقدرته على النجاح في ذلك، امام عيون عربية متفرجة، وأيد عربية عاجزة، وغياب كامل للإرادة السياسية العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"