دور الجمعيات الأهلية في المجتمع المدني

05:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
ولقد كرمنا بني آدم

(القرآن الكريم)

في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بعثت جمعية الإمارات لحقوق الإنسان بثلاث رسائل إلى ثلاث جهات رسمية، تدعوها فيها إلى التخلي عن فكرة إقامة مراكز في داخل مؤسساتها أو ضمن نشاطها الرسمي، لما تسميها (بمراكز لرعاية حقوق الإنسان)، وإحالة هذا النشاط إلى الجهة ذات الاختصاص وذات الدور العملي والمهني، وهي جمعيات النفع العام أو جمعيات المجتمع المدني، التي تعد جمعية الإمارات لحقوق الإنسان أحد أهم المراكز التي تتولى الأمور الخاصة برعاية حقوق الإنسان، شأنها في ذلك شأن الجمعيات المماثلة في أي مجتمع مدني تلتقي فيه إرادة نظامها السياسي مع المجتمع المدني الأهلي، لإيجاد آليات التنسيق والتعاون من أجل الصالح العام، والتمهيد لقيام الليبرالية والتعددية في إدارة المجتمع، والخروج من التقليدية في الإدارة التي لم تعد مستساغة.

وقد بينت جمعية الإمارات لحقوق الإنسان في رسائلها المشار إليها في مستهل هذا الحديث، أنه لم تجر العادة في المجتمعات الإنسانية المتقدمة سياسياً واجتماعياً، أن تكون مؤسسات الدولة، أو المؤسسات الرسمية التي تملك القرار والتنفيذ، هي الخصم والحكم في نفس الوقت، وعلى هذه المؤسسات أن تفسح المجال للمنظمات الأهلية المدنية أن تقوم بدورها الذي وجدت من أجله، وهو الدور المعاون والمساند، وكذلك دور الموجه والمرشد والمراقب، للحد من أي تنافر بين السلطة والجمهور، وبالتالي تضييق الفجوة التي تنجم عن عدم إشراك الناس في الإدارة، والوصول إلى ما يمكن أن يتعاون فيه الناس جميعهم من أجل المصلحة المشتركة.

وبالرغم من المواقف غير الإيجابية التي يبديها البعض، وكذلك الإغفال واللامبالاة من قبل البعض الآخر لمثل هذه الدعوة الطيبة، لكن وجدنا أن هناك من يستقبل الدعوة بصدر فيه السعة والرحابة، وتجلى ذلك بوضوح في دعوة الجمعية، جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، إلى المشاركة مع وزارة الخارجية للدولة في مناقشة التقرير الدوري الشامل لدولة الإمارات أمام مجلس حقوق الإنسان، الذي عقد في جنيف بسويسرا يوم 19/3/،2009 ومثل هذا التعاون المشترك لإبراز دور الدولة والمجتمع معاً، في رعاية حقوق الإنسان أمام العالم المتمدين، والذي يحصل على ما يبدو وعلى ما أعتقد لأول مرة، بمثابة دليل لا لبس فيه على أن الدولة متمثلة بوزارة خارجيتها تسعى سعياً حقيقياً لخلق آليات قادرة على التوازن المقبول بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني، وهذا تحرك إيجابي يجب الإشادة به وتشجيعه على الاستمرارية، لأنه أسلوب حضاري يبتعد عن الانفرادية في القرار والانفرادية في التنفيذ، ويؤكد للمراقب الخارجي أن هناك محاولات تبذل من أجل إشراك الناس فيما يعني لهم من أمور.

ومما لا شك فيه أن مثل هذا التنسيق والتعاون اللذين تمت الإشارة إليهما، بين الدولة والمجتمع المدني الأهلي، سوف يعكسان التطور الذي بدأ يحصل في المجتمع، ويجعل الجهات المعنية برعاية حقوق الإنسان في العالم المتقدم تؤمن أن هناك رغبة أكيدة في الإمارات لبناء أساس متين للمجتمع المدني المتطور والمتوازن، ويرسّخ في ذهن تلك الجهات، أن الدولة، دولة الإمارات، تراعي أن لا تكون هناك فجوات بين الجمهور والسلطة وتسير على الطريق المستقيم وتبتعد عن الالتفاف، ذلك الالتفاف الذي لا يستحسنه المجتمع الدولي، الذي نحن جزء منه ونشاركه الأحداث في السراء والضراء.

والذي يدعو إلى التفاؤل بالخير هو ما اتضح الآن أن وزارة التربية والتعليم في الدولة تنظر بجدية إلى توصيات جمعية الإمارات لحقوق الإنسان لإدماج مادة حقوق الإنسان وتدريسها في المدارس والمعاهد التابعة للوزارة، ونأمل أن لا يمضي وقت طويل حتى نرى أبناءنا من الطلبة وقد عرفوا ماهية حقوق الإنسان، ومدى الواجبات الملقاة على عواتقهم للعمل من أجل رعاية هذه الحقوق، وبالتالي المساهمة في بناء المجتمع المدني.

وأخيراً لابد من القول إن على الدولة بجميع مؤسساتها، وكذلك المؤسسات في الحكومات المحلية في الإمارات، واجباً كبيراً، وهو النظر إلى جمعيات المجتمع المدني نظرة غير سلبية، وتشجيع هذه الجمعيات على مواصلة رسالتها من أجل خير الإنسان الإماراتي وخير من يعيش على هذه الأرض، لأن أعضاء هذه الجمعيات ليسوا سوى متطوعين من أبناء الوطن والمقيمين يجمعهم هدف واحد، وهو خدمة الإنسان، والاجتهاد من أجل إيجاد مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية، وتحقق فيه المبدأ السماوي السامي ولقد كرمنا بني آدم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"