أمراض صامتة

كلمات
03:00 صباحا
قراءة دقيقتين

ترتعش أجسادنا خوفاً حين نسمع عن وباء جديد يغزو العالم، ونسارع للبحث عن كل سبل الوقاية اللازمة والمتاحة كي نحمي أنفسنا وأولادنا من أي مرض، حتى وإن كان هذا الوباء موجة سنوية عابرة من موجات البرد التي تزورنا مع تغير الفصول. فما بالكم بما يحصل لنا اليوم مع اتساع دائرة الأمراض المعدية من إنفلونزا الطيور إلى إنفلونزا الخنازير إلى الكوليرا؟

لكننا لا ننتبه إلى أن هناك أنواعاً أخرى من الأمراض تتفشى في مجتمعاتنا وتفتك بأبنائنا، وهي لا تقل خطورة عن كل أنواع الإنفلونزا أو السرطان الذي يفتت العظام، إنها أمراض تصيب المجتمعات ولا نشغل بالنا بمدى خطورتها وبعواقبها.

لا ننتبه إلى أن ظاهرة الايمو التي تنتشر بين الفتيان والفتيات وباء معد ينتقل بسرعة كبيرة بين فئة الشباب، وقد لا ينتبه إليه الأهل حتى يفتك بأبنائهم. ولمن لا يعلم، فإن الايموز هم عبدة الشيطان الذين ينتشرون بداية بدعوة الشباب إلى التمرد على اللبس التقليدي والألوان والتزام السواد حتى أحمر الشفاه يصبح أسود الشفاه، ويأخذون الشباب إلى الكفر والعبث بالحياة وإلى تقبل فكرة الموت والسعي إليه.

لا ننتبه إلى أن الموضة الخليعة، مرض معد ينتقل بين المراهقين والكبار أحيانا، كما يصيب الصغار.

الانفلات الأخلاقي معد، بينما يشعر البعض بأنه ميزة، وبأنه دليل رجولة عند الفتيان وثقة أنثوية بالذات عند البنات.

الوشم والبطون العارية وباء. النحافة الزائدة والامتناع عن الأكل بهدف الوصول إلى شكل ومقاسات عارضات الأزياء، مرض يصيب البنات أكثر من الشبان ويؤدي إلى الموت إذا لم تتم السيطرة عليه.

العنف والصراخ والضرب والسب والمخدرات، أوبئة متفشية بإمكانها هدم أسر وقتل مجتمعات والقضاء على المستقبل.

من منا يبحث عن دواء لتلك الأمراض، ويخاف أن يصل انتشارها إلى بيته أو أن تصيب أحد أبنائه؟

من منا يخشى على سلوك ولده من الانحراف ولا يبرر له غيابه الدائم عن المنزل والتكتم عن بوح أي من أسراره له؟

من في العالم يعترف أساساً بأن كل ما ذكرناه، أضف إليه هوس الإنترنت والشات، أمراض معدية وخطيرة وقاتلة؟

ذلك الطفل ماكنزي دنكلي ابن الأربع سنوات الذي طرد من المدرسة في بريطانيا لأنه عنيف ويضرب مدرسه، خير دليل على أن الكبار لا ينتبهون إلى خطورة ما يعانيه الصغار في نفوسهم، وحتى التربويون يتخلون عن مهمتهم أحياناً ويشترون راحة بالهم بطرد طفل، بدلاً من طرق باب أهله لمعرفة أساس المرض من أين يأتي، ولماذا الطفل يفرغ كل هذا العنف في مدرسته. فحذار من أن يكون بيننا ألف ماكنزي ولا ننتبه إلى أنهم أطفال يموتون ببطء ويقتلون المستقبل معهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"