الإعلام حين يؤدي دوراً مشبوهاً

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
لا يختلف اثنان على أن العمل الإعلامي يستدعي التعامل مع القضايا بموضوعية، وأن هذه الموضوعية تعتبر من أهم مقومات العمل الإعلامي الناجح، وأحد مرتكزاته الأساسية.
لكن ثمة مشكلة كبيرة ولا سيما في الكثير من وسائل الإعلام العربية، التي باتت لا تميز بين أهمية الموضوعية في الإعلام، والالتزام، بقضايا الشعوب وحقوقها، ولا سيما بالنسبة لمنطقتنا المبتلاة بالمؤامرات، والاعتداءات الخارجية، ناهيك عن الاحتلال العنصري الصهيوني، الذي يجثم على الأراضي الفلسطينية، ويحتل أجزاءً عربية أخرى.

إذ كيف يعقل أن يصبح المحتلون الصهاينة ضيوفاً على شاشات التلفزة العربية؛ ليمارسوا من خلالها أبشع أنواع العهر السياسي والأخلاقي، مرددين عبارات من قبيل «إسرائيل» هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، و«الجيش «الإسرائيلي» لا يقتل المدنيين». أو أي عبارات أخرى تحاول تسويق الكيان الصهيوني على أنه «دولة سلام».
ورغم أن وسائل الإعلام العربية المغرمة باستضافة الصهاينة، تحاول الدفاع عن نفسها بأنها تستضيف هذه الشخصيات لتقديم الرأي الآخر، ولجعل رسالتها الإعلامية متوازنة فحسب؛ لكن الواقع لا يبدو كذلك أبداً، حيث تقدم هذه الوسائل الإعلامية خدمة مجانية للكيان الصهيوني ومنبراً إعلامياً يروّج فيه الاحتلال رواياته وأكاذيبه، ومغالطاته التاريخية المقصودة، من دون أي وازع أخلاقي أو خجل، بل والأنكى من ذلك، أن بعض المذيعين العرب يصرون على عدم مخاطبة المسؤول «الإسرائيلي» باسمه المجرد، بل بتقديم كلمة سيد، على أسماء هؤلاء المحتلين الذين يمعنون في الاعتداء على الشعب الفلسطيني، ويصمون آذانهم عن كل مبادرات السلام، العربية والدولية الرامية إلى إحلال السلام في هذه المنطقة.

ووفق ما أشارت إليه دراسة أعدتها «دائرة سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية والتحرر المعرفي» فإن الناطقين باسم الاحتلال طوروا استراتيجيات الخطابة الإعلامية، التي تبدأ بالإنكار، وتنتهي بالاعتذار وما بينهما، وذلك من أجل إعطاء شرعية لما يدافع عنه المتحدّث الصهيوني، هذا أو ذاك، عبر النوافذ الإعلامية العربية..

وبينت الدراسة، نقلاً عن مقال للكاتب «الإسرائيلي» يونتان جونان، بعنوان «استراتيجيات ناطقي الجيش في القنوات العربية»، أن الناطقين باسم الاحتلال يبدأون بإنكار تنفيذ جيش الاحتلال لأي جرائم، أو تعرضه لأعمال مقاومة، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى الاستراتيجية الثانية، وهي توجيه التهم بشكل ينطوي على ترويج الدعاية «الإسرائيلية»، بهدف تضليل الرأي العام العالمي، والعربي، ومن ثم شرعنة الوجود الصهيوني في بلادنا.

والحقيقة أن وسائل التطبيع مع الاحتلال، تخترع مبررات واهية للاستمرار في سلوكها هذا، فتارة تزعم أن هدفها هو معرفة العدو من الداخل، وتارة أخرى تزعم أنها حريصة على نقل المعلومة بأمانة، وأن ذلك يتفق والمعايير الصحفية العالمية، لكن الواقع يشير إلى أن مثل هذه المسالك الإعلامية، إنما ترمي إلى الترويج لفكرة قبول «إسرائيل» في المنطقة ليس إلا، وذلك من خلال التعاطي مع الناطقين باسمها بإظهارهم مثل أي ناطقين باسم دولة أو جهة في المنطقة، وهو أمر جد خطر، ويسقط صفة المحتل عن الكيان العنصري الاستيطاني الإجلائي، الذي ما انفك يقدم كل يوم الدليل بعد الآخر، على أنه ليس إلا كياناً مصطنعاً، ومخلباً استعمارياً غربياً، زرع في قلب المنطقة العربية، لإبقائها مجزأة وضعيفة وعاجزة، لصالح المشاريع الاستعمارية الكبرى، الهادفة إلى الإبقاء على استغلال الشعوب العربية وثرواتها، وإبقاء السيطرة الإسرائيلية عليها، وإبقائها في خانة التبعية والضعف والتشرذم.

أخيراً، إذا كان الإعلام الناجح يتطلب الموضوعية، فإن أول شروط هذه الموضوعية هو تسمية الأشياء بأسمائها، ووصف الاحتلال بما يليق به، وتوصيف الضحية بما تستحقه من تعاطف معها، وليس من خلال المساواة بين الضحية والجلاد، لأنه عند ذلك يقوم بتلميع وجه الاحتلال، وشرعنة وجوده في منطقة أمعن فيها قتلاً وتخريباً، وتنكر لأبسط المبادئ والقوانين الدولية.

نبيل سالم
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"