دور الإعلام في زعزعة الأمن العربي

02:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
الإعلام هو السلطة الرابعة في الدول، ومما لا شك فيه أنه الوسيلة الأكثر تأثيراً في الشعوب، وتغير كثيرًا من الوعي الجماهيري، وتقود إلى تغييرات في السياسات والقرارات والقوانين، وتغييرات في الشارع على مستوى الجماهير، فهو يلعب دورًا خطيرًا في حياة الناس والدول، ولديه القدرة على اختراق الحواجز والحدود، والوصول إلى شتى الفئات واقتحام بيوتهم، وهو سلاح ذو حدين، وقد يكون أداة سلام أو أداة صراع.
ما شهده العالم العربي من ثورات أدت إلى اضطرابات وحروب أهلية كان أحد أسبابه الإعلام المأجور، الذي تاجر بهموم الشارع العربي، واستغل جراحاته وآلامه، ليدفعه إلى القيام بعمليات جراحية خاطئة، أدت إلى حالات نزيف حاد، لا يزال الجسد العربي يعانيها حتى هذه اللحظة.
التحريض على العنف المادي أو المعنوي والتحريض على الإرهاب أحد الأدوار الخطيرة التي يمارسها الإعلام المأجور، وكذلك تبرير الإرهاب، فالتحريض والتبرير وجهان لعملة واحدة، وكذلك التسويق للإرهاب، والدعاية للإرهابيين، ووضع أقنعة تجميل على وجوههم. فدور الإعلام أن يكون وسيلة لهزيمة الإرهابيين، وكشف جرائمهم البشعة وتعريتهم أمام الرأي العام، لا أن يصبح بندقية بأيديهم، يطلقون منها رصاصات أفكارهم لتخترق العقول وتصيب إنسانيتها في مقتل.
حرب الإعلام على الإرهاب لها أهمية كبيرة في دحر الإرهابيين، فالإعلام منبر حر للثقافة والتوعية المجتمعية ومواجهة الأفكار المتطرفة وتنوير العقل العربي.
والإعلام المزيف يسعى إلى هدم العلاقات الاستراتيجية بين الدول العربية، والتأثير في السياسات الخارجية، ويسعى إلى تفاقم حالات التوتر، وتأزيم الخلافات السياسية، وإدارتها إعلاميًا بخبث، لتوسيع مساحة الخلاف، ويقوم الإعلام المأجور بنشر الشائعات وفبركة الأحداث ونشر التحليلات المزيفة، لردم جسور التواصل والتفاهم. فأعداء الداخل والخارج يستهدفون زعزعة الأمن العربي، بمساعدة الإعلام المزيف، لأن تفكيك الصف العربي يخدم أهدافهم.
الإعلام اللامسؤول يضرب الاقتصاد والتنمية والاستثمار والسياحة، بما يقدمه للرأي العام من صورة مشوهة عن البلد، وانعدام الاستقرار فيه، بالتركيز على الصراعات والأخبار السلبية، ونشر الشائعات، وكذلك تشويه سمعة الأجهزة الأمنية، ما يؤثر في قناعات المستثمرين، ويدفعهم للخوف على استثماراتهم، ويشعرون بأنه لا يتوفر المناخ المناسب للمستثمرين، والنتيجة تراجع الاستثمار وقلة معدلات التنمية، وكذلك تراجع السياحة، بسبب الترويج الإعلامي السلبي للوضع الأمني في البلد.
خطاب الكراهية وإقصاء الآخر وإثارة النعرات الطائفية من أكبر الأخطار المحدقة بالوطن العربي، وتنامي هذه الظاهرة في وسائل الإعلام يؤثر سلبا في السلم الاجتماعي، ويؤدي إلى زيادة الاحتقان والجذب الطائفي داخل المجتمعات، ما يؤدي إلى تفتيت الدولة الوطنية، وتوفير بيئة خصبة للإرهابيين الذين يتعيشون على الفوضى والحروب والأزمات.
وعندما نتحدث عن الإعلام المعادي للأمن العربي، فإننا لا ننسى الإعلام الصهيوني، وأساليب البروباغندا التي يستخدمها.
فالكيان الصهيوني اعتمد منذ البداية على الإعلام كسلاح فعال لتنفيذ مخططاته الصهيونية، وقال بن غوريون رئيس وزراء «إسرائيل» الأسبق: «لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع أن يتحرك للحصول على مشروعيتها الدولية، وتكريس جدارة وجودها، قبل أن تصبح حقيقة واقعة على الأرض».
وارتبط تأسيس التلفزيون «الإسرائيلي» منذ اللحظة الأولى بالصراع العربي - «الإسرائيلي»، واستخدم الإعلام كأداة للحرب النفسية والدعاية السياسية، وأنشأت «إسرائيل» إذاعة بالعربية منذ وقت مبكر، هدفها الأساسي زعزعة الثقة بالنفس وتيئيس العرب.

ويقوم الإعلام «الإسرائيلي» بتبرير كل الأعمال العدوانية التي تقوم بها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني، ويعمل على تأليب الرأي العام العالمي ضد العرب وتشويه صورتهم وتزييف عدالة قضيتهم، إضافة إلى إثارة الفتنة والعداوة بين الأشقاء العرب، واللعب على وتر الطائفية من أجل إثارة الفوضى والبلبلة وعدم الاستقرار.

وإذا كان متوقعا ما تقوم به «إسرائيل» من هجمة إعلامية ضد العرب، فليس من المعقول أن يصدر من الإعلام العربي في أي بقعة من تراب الوطن العربي ما يهدم استقرار وأمن الدول العربية وشعوبها. والإعلام الذي ينحدر إلى هذا الحضيض يصبح أشد خطرًا من الإعلام «الإسرائيلي»، لأن إعلام العدو يواجهك وجهًا لوجه، وأما هذا الإعلام فيطعنك في ظهرك، وقد قال الشاعر العربي القديم طرفة بن العبد في معلقته: وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة....على المرء من وقع الحسام المهند.

يحتاج الوطن العربي إلى إعلام متخصص ناهض، يكون على مستوى التحديات التي يعيشها العالم العربي، ولا يكون أداة إثارة وتجارة أو مشروعًا مرتهنًا بأجندات لا تريد استقرار الوطن العربي، كما يحتاج إلى هيئات لتنظيم ومراقبة وسائل الإعلام، بما لا يمس جوهر حرية الإعلام وحق التعبير، ليتمكن الإعلام من أداء رسالته في المجتمع بمهنية ومسؤولية وطنية.

سلطان حميد الجسمي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب في المجال السياسي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"