حرب الفضائيات لاقتناص الصوت الأمريكي

05:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبدالخالق
السباق إلى البيت الأبيض معركة مفتوحة للاستحواذ على العقل الأمريكي. من ينجح في إقناع الرأي العام ببرنامجه وأفكاره وشخصيته يضمن الوصول إلى المكتب البيضاوي. والإعلام هو السبيل الوحيد لتحقيق هذا النصر الصعب. من خلاله تتم صناعة وتشكيل الرأي العام، وبالتالي كسب قلوب وعقول الناخبين، وصولاً لأصواتهم في نهاية المطاف. هذه هي القاعدة التي يعرفها ويتبعها السياسيون في سائر الديمقراطيات، وهي أوضح ما تكون في الولايات المتحدة.
في تلك الدولة الغنية مترامية الأطراف، ينفق السياسيون ببذخ وسخاء، وأحياناً بجنون على حملاتهم الدعائية عبر وسائل الإعلام المختلفة. إلّا أن التلفزيون يظل ملك الوسائط الإعلانية، وصاحب النصيب الأكبر، بلا منازع، في ميزانية الدعاية الانتخابية لأي سياسي أمريكي.
وتقدر مؤسسة «نومورا سيكيوريتيز» المالية، حجم الإنفاق السياسي على الإعلانات حتى نهاية العام الحالي، بنحو 10.20 مليار دولار، ارتفاعاً من 7.49 مليار العام الماضي. إلّا أن تقديرات وكالة «بوريل أسوشيتيد» لمتابعة الإنفاق الإعلاني ترجح ارتفاعه هذا العام إلى 11.7 مليار دولار، ويشمل ذلك، بالطبع، الحملات الدعائية لمرشحي الرئاسة الحاليين.
تبلغ حصة التلفزيون في هذه الكعكة الإعلانية الدسمة حوالي 6.06 مليار دولار حتى نهاية العام، أي 59.1% من حجم الإنفاق الإعلاني السياسي، وفقاً لتقديرات «نومورا». يضاف إلى ذلك 1.1 مليار أخرى، قيمة الإعلانات السياسية في محطات التلفزة المشفرة، لترتفع بذلك حصة الشاشة الفضية إلى أكثر من سبعة مليارات دولار. يلي ذلك مواقع الإنترنت بقيمة مليار دولار، أي 9.8% من الإنفاق العام. ثم الصحافة المطبوعة بقيمة 850 مليون دولار، 8.3%، والراديو 830 مليوناً، وأخيراً إعلانات الطرق 370 مليون دولار. ورغم ضخامة هذا الإنفاق إلّا أنه يبقى مجرد نقطة في بحر الميزانيات المخصصة لتمويل الحملات الانتخابية، وتلك قصة أخرى سنعود إليها فيما بعد.
ومن الواضح أن هيمنة التلفزيون على سوق الإعلانات السياسية ستظل قائمة وراسخة لفترة طويلة، بالنظر إلى فاعليته الكبيرة في التأثير على الرأي العام. غير أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب، يصر على معاندة هذه الحقيقة المدعومة بنتائج عشرات الدراسات المختصة. ومن غرائب الانتخابات الحالية وغرائب ترامب شخصياً، أنه لم ينفق حتى منتصف أغسطس/آب الماضي، عندما بث إعلانه الأول، دولاراً واحداً على الإعلانات التلفزيونية، وهو أمر لم يفعله أي مرشح رئاسي آخر في تاريخ الانتخابات الأمريكية. ولولا الإعلانات التي بثتها الجماعات المؤيدة له، وليست حملته الانتخابية، ما كان لترامب وجود في سوق الإعلان السياسي، حتى هذا التاريخ.
على النقيض من ذلك، تبدي منافسته الديمقراطية، هيلاري كلينتون، إيماناً راسخاً بأهمية الإعلان في حسم معركتها الانتخابية. وفي الأسبوع الماضي كشفت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» عن أن نسبة الإنفاق الإعلاني بين المرشحين بنهاية يوليو/تموز الماضي، هي عشرة إلى واحد لصالح هيلاري. وكانت النسبة 15-1 في يونيو/حزيران. ويوضح تحليل ميزانية المرشحين أن هيلاري أنفقت حتى نهاية يوليو 75 مليون دولار، على الإعلانات التلفزيونية. وفي الفترة من 15 إلى 27 يونيو الماضي بثت حملتها 9781 إعلاناً بقيمة ستة ملايين دولار، أي بواقع 500 ألف دولار يومياً، تقريباً. بينما لم تنفق حملة ترامب سوى 7.7 مليون دولار. يضاف إلى ذلك 47 مليون دولار، أنفقتها الجماعات المؤيدة للمرشحة الديمقراطية، خلال الفترة نفسها. بينما أنفقت الجماعات المؤيدة لمنافسها، 15 مليون دولار فقط.
على الجانب الآخر أعلنت حملة ترامب، عقب إعلانها الأول المتأخر جداً، تخصيص 4.8 مليون دولار فقط، للإعلانات التلفزيونية في أربع ولايات. ولم تعلن عن مخصصاتها لتغطية الفترة المتبقية، حتى الانتخابات في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني.
يبرر ترامب مقاطعته للإنفاق الإعلاني، بأنه لا يحتاج إلى وسائل تجارية لتسويق نفسه كمرشح، وأنه يكفيه «لكي يعرف الجمهور الحقيقة»، أن يتابع جولاته الانتخابية وتصريحاته، والتي تغطيها وسائل الإعلام، كمادة إخبارية عادية. قد يكون في ذلك شيء من المنطق، إلّا أنه يظل حديثاً نظرياً، ومجرد افتراضات لا تؤيدها التجارب السابقة في الانتخابات الرئاسية أو غيرها. كما أنه في حالة ترامب على وجه الخصوص، فإن الرهان على التغطية الإعلامية وحدها مخاطرة غير مضمونة العواقب، لأن جسور الود شبه مقطوعة بين الطرفين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"