هل نقرأ القرآن جهراً؟

02:57 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

سألني أحدهم عن حكم قراءة القرآن جهراً، وقال: إنني أدخل المسجد فأجلس أقرأ القرآن لكن من غير خشوع، لأن الموجودين في المسجد يقرؤون القرآن بصوت عال.
قلت له: لقد سألتني سؤالاً يتردد على ألسنة الناس دائماً، وهو: هل القرآن نقرأه سراً أم جهراً؟
والحقيقة أن كلتا الطريقتين واردة ولكل منهما ما يبررها.
فمن قال بفضيلة قراءة القرآن جهراً ورفع الصوت بها أخذ بحديث ورد في صحيح البخاري وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغني بالقرآن يجهر به».
أقول: ومن قال بالجهر لا يقصد بذلك أن تقرأ القرآن في المسجد أو في ملأ من الناس، لأن مثل هذا الفعل لا شك أنه لا يجوز، لما فيه من إيذاء الآخرين في المسجد أو في غير المسجد.
ولكن لو حدث أنه كان في المسجد ولم يكن معه أحد أو كان في البيت فإن له أن يرفع الصوت من غير حرج.
لذلك قال بعض العلماء: «يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها، لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر، والجاهر قد يكل فيستريح بالإسرار إلا أن من قرأ ليلاً جهر بالأكثر، وإن قرأ بالنهار أسر بالأكثر» (انظر البرهان في علوم القرآن ج ١ ص ٤٦٣ - ٤٦٤، وانظر الإتقان للسيوطي ج ١ ص ٣٠٣ - ٣٠٤).
والذين قالوا بإسرار القراءة استدلوا بحديث «الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسرّ بالقرآن كالمسر بالصدقة». (رواه أبو داوود والترمذي).
وورد في الحديث أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: «ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة» (رواه أبو داوود) أجل وللجمع بين القولين قال الإمام النووي: «والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أو تأذي مصلين أو نيام بجهره».
والجهر أفضل في غير ذلك، لأن العمل فيه أكبر ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه ويطرد النوم ويزيد النشاط،
(انظر المجموع ج ٣ ص ٣٩٢ وانظر تفسير القرطبي ج٣ ص ٣٣٢ - ٣٣٣).
وقال العلماء أيضاً إن الجهر ليس من آداب تلاوة القرآن، فمن الأدب عند التلاوة أن يتلو القرآن سراً إذا كان بين المصلين في المسجد مثلاً أو كان بين قوم نيام أو أنه بين قوم يتلون جهراً، أو أنه بين طلبة يذاكرون دروسهم ويستعدون للامتحان، (انظر الآداب الشرعي للمقدسي ج ٢ ص ٣٣٨ وحاشية ابن عابدين ج ١ ص ٣٦٦).
ومما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن القرآن إذا قرئ في مكان وجب على الحاضرين الاستماع، لكن لو قرئ القرآن الكريم وفي المكان رجل آخر مشغول بتحضير الدرس مثلاً، فهل عليه الإمساك عن التحضير والاستماع إلى القرآن؟
يقول العلماء: ليس عليه الاستماع وعلى قارئ القرآن الإثم، كما لو قرئ القرآن على سطح بين قوم نيام فإنه يأثم وليس عليهم الاستماع لأن القارئ كان سبباً في إعراضهم أو إيذائهم (انظر حاشية ابن عابدين ج ١ ص ٣٦٦).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"