أي مواطن نريد في المستقبل؟

06:53 صباحا
قراءة 4 دقائق

بعيداً عن لوم مؤسسات وأطر تجمعُ أدباء وكتاب الإمارات، وتجاوزاً لما قيل عن تقصير أو ضعف آليات عمله، فإن المؤتمر الأول لاتحاد أدباء وكتاب الإمارات، المنعقد بالشارقة في الأسبوع الماضي، شكل فرصة مناسبة لطرح أسئلة الثقافة الوطنية في نقاش عام وصريح . وبخاصة بعد أن قدم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، رؤيته لمفهوم المثقف، من واقع مسؤوليته، وخبرته، وكأديب ومثقف ومؤرخ . وبالتزامه جعل الثقافة مصدراً لتغذية التنمية الشاملة، وضماناً للتماسك الاجتماعي والهوية الوطنية .

لا شك، في كون الثقافة قضية وطنية، تهم الجميع، وينبغي أن يشارك فيها الجميع أيضاً، باعتبار أن للإنسان الحق في اكتساب الثقافة والتمتع بها وإنتاجها . وهنا لا نتحدث عن ثقافة نخبوية، بل عن ثقافة تتسع لكل الناس؛ لتصبح نمط عيش مشترك وسلوكاً، وتصبح الثقافة في هذه الحالة، قوة بقاء، ومحفزاً للطاقات والإبداع والإنتاج . وفي هذا الإطار، تتحمل الدولة ومؤسساتها المختلفة، دوراً رئيساً في التخطيط الثقافي الشامل، وتوفير مستلزمات الفعل الثقافي، وإعلاء شأن المثقف وقيمته المجتمعية، وجعل الثقافة في مكانة مركزية في مشروعنا الوطني العام .

وفي ظل غياب خطة ثقافية وطنية شاملة، يسهل العزف الثقافي المنفرد، بتجلياته الاجتهادية المتنوعة .

وحينما طُرحت مسألة الهوية الوطنية، قبل سنوات قليلة، تمنيت في عدد من البحوث والمقالات، أن نتوقف أمام أسئلة الثقافة وارتباطها الوثيق مع ماهية الهوية المنشودة . وهي تتشكل وتتطور، وفي سيرورتها وعلاقتها مع الآخر وتفاعلها مع أزمنة معولمة في ثقافتها، ووعيها بذاتها، ونقلها من حالة الكمون إلى حالة اليقظة .

إن أية خطة استراتيجية للثقافة الوطنية، تتطلب الإجابة عن سؤال: أي مواطن نريد في المستقبل؟

وأجتهد بالقول، إننا نسعى لإعداد مواطن منتمٍ بولائه إلى وطنه واتحاده، واعٍ بتراثه وتاريخه وبحقوقه وواجباته، ومعتز بلغته وهويته العربية الإسلامية .

كما نسعى إلى إعداد مواطن منتج، باعتبار أن محك المواطنة هي الإنجاز والإبداع والجدارة، ومواطن عصري منفتح ومشارك في التنمية، وحامل لقيم العمل والعدل والحرية، وباحث عن المعرفة والحكمة من أي وعاء خرجت، وغير ذلك من السمات والقيم .

وأي خطة استراتيجية ناجحة، تتطلب أن تتوفر فيها سمات الشمولية في ميادينها، والتوازن في حقولها، وأن تكون نابعة من الذات الوطنية، ومتجاوبة مع حاجات الإنسان وتطلعاته، ومتجددة ومتفاعلة مع الآخر، وذات علاقة تبادلية مع التنمية الاقتصادية والأمن الاستراتيجي للوطن، وأن يكون من أهدافها الأساسية، تطوير البنية الفكرية والاجتماعية، وإغناء الشخصية الإماراتية، وتنمية الهوية الثقافية الوطنية، وتحفيز المجتمع على المشاركة في الفعل الثقافي وأنشطته، وتوسيع دائرة انتشار الثقافة أفقياً ورأسياً، ورعاية الموهوبين، والتنقيب عن ثروات ثقافية في نسيج المجتمع، واستخراجها وصقلها وتدريبها ثم إطلاقها، مع ضرورة توفير حالة نقدية دائمة حولها وفيها، بهدف التطوير والتجدد الحضاري والتسويق في آن .

من ناحية أخرى، فإن الحاجة اليوم، وفي ظل تحولات ومتغيرات جذرية في المحيطين القريب والبعيد، ضرورية وماسة للاهتمام العلمي الجاد بالشأن الثقافي الوطني، والتفكر الاستراتيجي في ماهياته، ومؤشراته، وتأثيراته في الحاضر والمستقبل .

الثقافة قضية وطنية بامتياز، وليست من الكماليات ولا يجوز الخلط بينها وبين العمل الاجتماعي الإرشادي أو إقصاؤها عن خطط التنمية الشاملة، أو إهمال البعد الإبداعي أو الفكري أو المعرفي فيها .

إن ما يقلق حقاً، هو طبيعة وماهية ثقافة الأطفال والشباب، باعتبار أن هذه الفئة تشكل أكثر من ستين في المئة من المجتمع، وهي الأكثر تأثراً بسلبيات العولمة الثقافية، ومنتجات مجتمع المعلومات والاتصال، وصناعة الإثارة، والتي توفر كل عناصر الجذب، من صور وحركة ورموز ومفاهيم .

* إن جيل هؤلاء الأطفال والشباب، هم قادة المستقبل، فأي ثقافة وطنية أعددنا لهم؟

هنا أيضاً، لا نتحدث عن ثقافة شعبية محلية، وتراث غير مادي، ووسائط شفوية كأغانٍ وأهازيج ومتخيل شعبي مشترك . . . وهناك جهود متفرقة تستحق الذكر ولا نتحدث أيضاً عن ثقافة عالمة، ضاربة في تاريخنا العربي، والتي تحققت من خلال اللغة العربية وتراثنا الديني والأدبي والفكري، والبنى الثقافية المختلفة التي تحدد الانتماء الحضاري لشعبنا العربي في الخليج (وهناك تقصير في هذا الإطار على مستوى الإقليم)، بل نتحدث عن مفاعيل ثقافة جماهيرية . تطورت مع العصر الحديث وثورة الاتصال والمعلومات . وتوجهت إلى كل الجماعات والأفراد، ومتوفرة بشكل مثير للجذب، وتفاعلت وأثرَتْ في مختلف الثقافات، أما الثقافات المتماسكة والحية فقد ملكت آليات الفعل والإبداع لمواجهة هذه الثقافة الجماهيرية المعولمة، والتعامل معها بندية وكفاءة .

وأخيراً، ينبغي ونحن نتحدث عن خطة استراتيجية للثقافة الوطنية، أن نتساءل عن نظام التعليم، كمدخل رئيس لتكوين ثقافة الفرد وصقلها، وهل يعطي نظامنا التعليمي صورة إيجابية عن دور التعليم في الثقافة الوطنية .

كما نتساءل عن مستوى الإنفاق على البحث العلمي، وعن علاقة الثقافة بالاقتصاد وحجم استثمارات القطاع الخاص في البنية التحتية للثقافة الوطنية، وفي الإنتاج الدرامي السينمائي والتلفزيوني ونشر الكتاب ورعاية العلم والبحث والإبداع؟

نتساءل عن غياب المعلومات والبيانات الإحصائية الدقيقة، والمؤشرات الكلية بمختلف مكونات البنية الثقافية الوطنية، التي تمكن من الحصول على صورة واضحة لواقع هذه الثقافة وتبين مواطن القوة والوهن في مكوناتها؟

ومن الإشكاليات الأخرى، التي تحتاج إلى إجابات، فهي متعلقة بالمنتج الثقافي الوطني، وعلاقته بالمجتمع والمتلقي .

نعم . . لقد نجحنا وطنياً في توفير منتجات سلعية وخدماتية وبنية تحتية، حققت مستوى عالياً من الإشباع والتميز، لكن على مستوى المنتج الثقافي، فإن السؤال المطروح هو، هل قام هذا المنتج الثقافي بدوره ووظيفته الحيوية في تطوير خطابنا الثقافي، ومقاربة هموم الوطن وما يواجهه من تحديات وفرص، وتنمية لرؤية المواطن تجاه توفير حلول لمشكلات مجتمعه الراهن منها والمتوقع، وتحقيق تطلعاته أو التعبير عنها؟

نعم . . لدينا مواقع متقدمة في مؤشرات التنمية البشرية والتميز والجودة في الخدمات والإدارة، لكن لماذا لا نتحدث عن ضرورة وجود مراكز للتميز الثقافي والإبداعي والبحثي والاستراتيجي؟

الثقافة قوة بقاء لمصلحة المستقبل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"