سوالف حول المجلس الوطني في عيده الأربعين

05:29 صباحا
قراءة 5 دقائق

كان المجلس الوطني الاتحادي أولى المؤسسات والدعائم التي أرستها الدولة كحجر أساس لبناء مجتمع يأخذ بأسباب المدنية في انضمامه وسيره مع القافلة الإنسانية المتحضرة، وللتأكيد، فإن هذه الدولة الخليجية الوليدة، تريد أن تغرس مفهوماً لدى كل من يعيش على أرضها، أن التعاون والوئام بين الناس الذين يمثلهم المجلس، وبين القيادات المسيِّرة للإدارة العامة، هما السبيل الأمثل للمضي في طريق التنمية والرقي، وبجانب هذا المجلس وُضعت تشريعات وقوانين تنظم سير الأمور وتحدد العلاقة بين قيادة الدولة والشعب، وعُرضت بعض هذه القوانين على المجلس في فصله التشريعي الأول، كقانون الجنسية على سبيل المثال، ووقع يومها المجلس في خطأ تشريعي فادح، إذ اقترح تغيير النصوص الخاصة بهيكلية المواطنة حسب أمزجة بعض الأعضاء، حيث تم تقسيم المواطنين إلى مواطن من الدرجة الأولى ومواطن من الدرجة الثانية، تقليداً لدولة خليجية هي الكويت، حيث كانت مرجعاً لبعض أعضاء المجلس ممن كانت تسيطر على أفكارهم الراديكالية السياسية، والعصبية القومية اللتين كانتا ذات رنين عالي التشنج في ذلك الوقت، أو في مستهل السبعينات من القرن الماضي، ونتيجة لعدم النضج السياسي والثقافة المحدودة عند البعض، وصل التطرف إلى اقتراح قانون للجنسية يختلف عن كل قوانين المجتمعات المدنية ومنها الدول العربية قاطبة، حيث تظل هوية المتجنس أو المواطن من الدرجة الثانية، ملتصقة بهذا المواطن لا انفصام لها، ويورثها إلى أولاده وأحفاده، ومن ينحدر عنهم إلى ما لا نهاية .

والمشكلة الأساسية الناجمة عن مثل هذا التشريع، الذي يقسّم الناس إلى طبقات، أن المواطنين الذين حصلوا على جنسية الدولة بعد قيامها ومنذ منتصف السبعينات بالتحديد، يصل إلى ما لا يقل عن 40% من العدد الإجمالي لمواطني الدولة، أي قرابة نصف عدد المواطنين، وليس العدد الرقمي وحده مهمّاً بقدر ما هو مهّم أن الغالبية العظمى من هذه النسبة، التي تصل إلى النصف هي من الشباب الذين ولدوا على أرض الدولة ونشأوا في أحضانها، ولا يعرفون غير هذه الأم الرؤوم، التي تسمى الإمارات، ولا يعرفون غير هذه القيادة الرشيدة التي أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، ومشى على أثره قادتنا الحاليون - حفظهم الله- الذين هم الآباء الحقيقيون لهؤلاء الشباب، شباب الأمة، ومنهم من تعلم وتشرّب بالثقافة الوطنية للإمارات، ويشارك في العجلة التي تسيِّر شؤون المجتمع .

ولا ننكر أو ننسى أن قيادة الدولة العليا، وعلى رأسها صاحب السمو رئيس الدولة، وصاحب السمو نائب رئيس الدولة، بسياساتهم الحكيمة، قد خففوا ويخففون في كل مناسبة، من وطأة الألم، الذي يحدثه هذا القانون، قانون الجنسية، غير الملائم والضار، وذلك بالمساعدات والإعانات في الرعاية الصحية والتعليمية والاسكانية والمساعدات الاجتماعية . . إلخ . ولكن القانون الذي مازال نافذ المفعول، يقف للأسف عقبة كؤوداً في سبيل التوفير الكامل للعدالة الاجتماعية ولحقوق الإنسان، التي هي من أساسياته الأولى المساواة بين الناس، الناس جميعاً، ناهيك عن التسبب في التفرقة بين المواطنين الذين يشكّلون الركيزة الأولى للمجتمع، وناهيك أن هذه التفرقة تعتبر مخالفة صريحة للقانون الأساسي، الذي هو الدستور، والذي ينص في مادته (25) (1) على أن جميع الأفراد لدى القانون سواء، ولا تمييز بين مواطني الاتحاد بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي .

وليس من الإنصاف أن يتم أيضاً نكران منجزات المجلس الوطني الاتحادي، وخاصة في المرحلتين اللتين مرّ بهما خلال مسيرته في الأربعين سنة الماضية، المرحلة الأولى بين عام 1977 وعام ،1981 حين كان السياسي والإعلامي الكبير تريم عمران، رحمه الله، عضواً ورئيساً للمجلس الوطني، وحيث كان هذا القيادي صوتاً وطنياً مخلصاً يضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وإذا أردنا أن نعرف مصداقية هذا القول، فعلينا الرجوع إلى نصوص المذكرة المشتركة بين المجلس والحكومة، والتي كان تريم، رحمه الله، مهندسها ومنشئها، (2) ومن غير الإنصاف أيضاً، أن لا نذكر أن معظم متطلبات المذكرة قد تم تنفيذها من قبل الدولة حسب الظروف، التي تلت بعد ذلك من وقت لآخر .

وجاءت المرحلة الأخيرة من حياة المجلس، منذ العام ،2006 ليسجِّل منجزات توقف المتابع عندها لمناقشة إيجابياتها، وأهم هذه الإيجابيات التغيير الذي طرأ على هيكلية المجلس الوطني، من مجلس تعيين إلى مجلس يضع الخطوات التمهيدية لإيجاد مجلس تشريعي منتخب ورقابي متكامل في المستقبل عندما تكون الظروف ملائمة، وحتى تؤتي الإيجابيات أكلها الطيب، علينا جميعاً أن نشيد بالخطوات التي اتخذتها قيادة الدولة في هذه المرحلة، ونبارك جميعاً أي عمل يحمل في طياته المصلحة العامة .

وقبل أشهر قليلة من وصول المجلس إلى سن الأربعين، دخل المجلس في دورة تشريعية جديدة، هي الدورة الثالثة عشرة، وتستدعي الأمانة التاريخية أن نكون صرحاء، وبغير الصراحة لن نكون في وضع يؤهلنا لكي نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية . فالمجلس بخلاف الدورتين اللتين أتينا على ذكرهما، ذكرى عهد تريم عمران من العام 1977 وحتى العام ،1981 وذكرى التغيير في هيكلية المجلس، الذي يثير الأمل لمستقبل أفضل، لم يقدّم المجلس شيئاً ملموساً ينتفع منه الناس، وتحوّل في معظم دوراته إلى مجلس تشريفاتي وأحياناً ديكوري محض، لا يسمن ولا يغني من جوع، حتى إن الرأي الذي طرح، وكاتب هذه السطور أحد أصحاب هذا الرأي، والقائل بأفضلية استبدال المجلس الاتحادي بمجالس محلية منتخبة في كل الإمارات، لقي آذاناً صاغية من الكثيرين، إلا من بعض المعوّلين على وجاهية العضوية القديمة وميزاتها .

وبالرغم من أن المجلس الجديد لا يخرج عن نطاق المحدودية في الأمور العامة ويدور كسابقيه في الحلقة نفسها من الصلاحيات الموكلة إليه، ولكن في رأيي، فإن أهمية هذه الدورة تكمن في أنها حظيت برئاسة تكنوقراطية سوف تسير بها على الجادة التنظيمية المتقنة، فالتجربة مع محمد المر بوأحمد، رئيس المجلس الجديد، ترينا أنه فنيّ في إداراته، ولا يقدم على عمل يزاوله إلا وله به معرفة عميقة، فثقافته الموسوعية التي اكتسبها، من تعليمية وذاتية خلال الانكباب على الاطلاع والقراءة في شتى فروع المعرفة الإنسانية، جعلته ضليعاً واسع الأفق يعرف كيف يعيد أي جنوح إلى نصابه، ومن هنا، فإني شخصياً والكثير مثلي، الذين يعرفون محمد المر، لا يشكون أن شيئاً جديداً سوف يحدث في المجلس، وهذا الشيء الجديد هو توجيه العضوية في المجلس وتعريفها عن طريق الإرشاد التثقيفي، لما لها ولما عليها . . الشيء الذي كان مفقوداً من ذهنية الكثيرين من أعضاء المجالس السابقة، حتى إن البعض من هؤلاء لم يكن ملماً ببنود دستور الدولة، والخلفيات التاريخية التي أعقبت وضعه كقانون أساسي، ناهيك أن هذا البعض أيضاً، كان قليل الإلمام بتركيبة الدولة الفيدرالية، والفروق بين صلاحيات الفيدرالية والحكومات المحلية المكوِّنة للدولة، لا سيما في الأمور المالية، التي تغذي ميزانية الدولة الاتحادية، وهنا يأتي دور الرئاسة في التركيز على التثقيف والوعي لدى عضو المجلس لمهامه، وهذان العاملان، الوعي والتثقيف، يمهدان لتعاون مثمر بين السلطة التنفيذية والمجلس الوطني المؤهل الآن للتغيير أكثر من أي وقت مضى .

(1) راجع دستور دولة الإمارات العربية المتحدة .

(2) راجع كتاب لمحات من حياة تريم عمران لكاتب هذه السطور (أعلاه)

mailto:[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"