مناسبة كان يؤمل نجاحها

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

ألقت مقدّمات عديدة بظلالها على القمة الاقتصادية العربية التي استضافتها بيروت خلال اليومين الماضيين، وجعلت من هذه المناسبة أشبه بفرصة ضائعة على البلد المضيف. وأولى هذه المقدّمات وأبرزها أن لبنان ما زال بلا حكومة منذ ثمانية أشهر، ولئن كانت هذه الواقعة ليست الأولى من نوعها في تاريخ تشكيل حكومات هذا البلد، إلا أن ذلك لا يقلل من الأثر السلبي لها، فحين تعجز القوى السياسية النافذة في هذا البلد عن التوافق على تشكيل حكومة جديدة، وتتبادل التحدي والاعتصام بانتظار لا نهاية له، فإن الأمل حينها لن يكون كبيراً بنجاح القمّة، ابتداء من مستوى التمثيل، حيث غاب أغلب القادة في المشرق والمغرب العربيين، عن هذا الحدث، رغم أن اللقاء ظل يحمل اسم قمّة. علماً أن وجود حكومة ائتلافية أو توافقية كان من شأنه أن يجتذب دعماً عربياً خلال هذه المناسبة، إلا أن غياب وجود حكومة قد قلّص من هذه الآمال، فإلى أين يمكن أن يتجه الدعم في بلد تشكو فيه مؤسساته مما تشكو حالياً؟.
المقدّمة الثانية تمثّلت في تنزيل علم إحدى الدول العربية، وهو العلم الليبي عن سارية الأعلام المرفوعة بالمناسبة، وذلك بذريعة اختفاء الإمام موسى الصدر في ذلك البلد قبل أكثر من ثلاثة عقود، ويبدو أن الذين أوعزوا بهذا السلوك لم يأخذوا عِلماً بأن النظام السابق الذي كان يتحمّل المسؤولية عن الجريمة، لم يعد قائماً، وأن هناك نظاماً جديداً في ذلك البلد العربي، يكافح من أجل التبلور منذ نحو سبع سنوات، هذا علاوة على أن المساس بالرايات الوطنية، بما تحمله من رمزية كبيرة، والإساءة إليها، يثير أشد الحساسيات، وهو ما كان هذا الحدث بغنى عنه.
أما المقدّمة الثالثة فتتعلّق بعدم نجاح لبنان في النأي بنفسه عن المحاور الإقليمية، وبينما كانت السياسة الخارجية اللبنانية لمدى عقود، تتخذ من الإجماع العربي بوصلة لها، إلا أن الأمر تغيّر بعدئذ، وبالذات في العقد الأخير، حيث أصبح هذا البلد محسوباً على محور إقليمي بعينه، ولا تنفع العبارات الدبلوماسية في التغطية على هذا الواقع.
أما المقدّمة الرابعة التي أدت إلى تبهيت هذه المناسبة، فتمثّلت في مسعى وزارة الخارجية اللبنانية لمنح طابع سياسي صارخ لهذه المناسبة الاقتصادية، وذلك بالإلحاح على دعوة سوريا إلى هذه القمّة، وذلك رغم الموقف الذي عبّر عنه أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، بأن الجامعة العربية ممثّلة بدولها الأعضاء، هي من اتخذت قرار تجميد عضوية هذا البلد، والجامعة هي وحدها من بيدها وقف التجميد.
بينما تتمثّل المقدّمة الخامسة في الاعتبارات الأمنية، ورغم أن الوضع في لبنان مستقر، إلا أن تعدد مراكز السلطات والقوى الفعلية فيه، يثير هواجس أمنية، وخاصة مع وجود العدد الكبير من الوفود.
وقد اجتمعت هذه الظروف والمقدّمات معاً، لكي تقلل من فرص عقد قمّة ناجحة، علماً أن لبنان ظل يراهن على نجاح هذه المناسبة، من أجل اجتذاب دعم عربي يسعفه في زحزحة الوضع الاقتصادي الصعب، وينشّط على الأقل حجم الاستثمارات، وكذلك حجم السياحة العربية إلى هذا البلد الذي كان في عقود خاليات قِبلة للسياحة الخليجية والعربية. غير أن الوضع المعقّد للبنان والذي يشكو منه أبناؤه قبل غيرهم، لم يسهم في توفير الظروف بتحقيق النجاح المأمول لهذه المناسبة، كما لم يستمع المسؤولون في لبنان لدعوات محلية بتأجيل انعقاد المناسبة إلى ظرف أفضل، فكان أن عُقدت على مستوى شبه وزاري، وإن احتفظت بتسميتها كقمّة.
من واجب الأشقاء العرب دعم هذا البلد وإعانته على مواجهة ظروفه الصعبة، ولطالما حظي لبنان بمثل هذا الدعم في مناسبات مختلفة، غير أن مسؤولية نهوض هذا البلد تقع على أبنائه أولاً من الفاعلين السياسيين في مختلف مواقعهم وبشتى تياراتهم، وذلك بإعادة الحياة الطبيعية إليه، ورفع العقبات أمام تشكيل حكومة جديدة تمثّل اللبنانيين في الداخل والخارج، بما يلبي مصلحة اللبنانيين جميعاً وينهي الوضع الاستثنائي الحالي، ويحِدّ من الانقسامات الداخلية ويكفل إدامة السلم الأهلي، وهي ظروف لا بد من إرسائها، من أجل توطيد العلاقات وبناء المزيد من الثقة مع العالم العربي، ومن أجل التواصل مع بقية دول العالم، وإعادة الاهتمام بهذا البلد على مختلف المستويات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"