يا وحدنا

05:25 صباحا
قراءة دقيقتين
د.عبدالعزيز المقالح

تلك هي الصرخة الفلسطينية التي أطلقها ذات يوم الشاعر الكبير محمود درويش، وهي الشعار الذي ينبغي أن نرفعه نحن في مواجهة الأوضاع الراهنة. وإذا كان الشاعر الكبير قد أطلقها متحسراً، فإننا نطلقها لا للتحسر، وإنما للاستنفار واستفزاز ما تبقى في الضمير العربي من نبض وإحساس، فقد بلغ التحدي مداه، وصار الوطن العربي عرضة للعدوان والأطماع، وما حدث لسفن دولة الإمارات في ميناء الفجيرة من عدوان صارخ ولئيم يدعونا جميعاً إلى الالتفاف والاستعداد الشعبي والرسمي للرد ومواجهة العدوان بالعدوان والتحدي بالتحدي.
كما ينبغي أن ندرك ونعي أننا وحدنا، وأن الولايات المتحدة تخدعنا والغرب الأوروبي مشغول عنا، وما يظهره البعض من تعاطف أو غضب في مواجهة ما حدث لا يتعدى الكلام. وتجاربنا مع هؤلاء وهؤلاء أشد وضوحاً، وكلها تؤكد الحقيقة التي لم يعد هناك من ينكرها أن من نسميهم حلفاءنا ما هم إلاَّ حلفاء على الورق فقط، وإننا في السلم والحرب - وحدنا- وإذا ما صدقت المواقف، فإننا قادرون على أن نحمي وطننا الكبير، ونرد عنه بقوة، وحين نتأمل حاصل هذه القوة الممتدة جغرافياً من حدود الأطلسي إلى الخليج العربي ندرك تماماً كم نحن أقوياء، وكم نملك من القدرة العالية في التحدي والمواجهة.
مشكلتنا ليست مشكلة عجز، لكنها مشكلة إهمال وانقسام وتفتيت، واستسلام لهذه الحال من انكفاء كل قطر عربي على نفسه، وهذا وحده كفيل بإهدار هذه القوى العظمى التي تفوق عدداً أكبر من أي أمة أخرى، وتفوق إمكانيات مادية واستراتيجية كل أمم الأرض بدون استثناء. ولو استشعرنا ما وراء حقيقة «وحدنا» لكان في مستطاع الأمة العربية أن تكون في طليعة الأمم الكبرى والأقوى.
فمتى يتسلل هذا الوعي إلى العقول والقلوب، ويتحول الإدراك إلى مسؤولية اندفاع نحو العمل، وكفانا خذلانا واستشعاراً بالدونية واعتماداً على الغير، هذا الذي أثبت أنه في أحسن الأحوال ليس معنا ولا ضدنا، وأنه صار علينا أن نثبت أولاً لأنفسنا ثم لأعدائنا أننا قادرون وحدنا على إثبات وجودنا على هذه الأرض التي سبق لها أن تسيدت العالم، وحملت رسالة العدالة والسلام إلى البشرية في شرقها وغربها، شمالها وجنوبها.
ولا تزال هذه الأمة قادرة على حمل الرسالة مرة أخرى، وقادرة أيضاً على أن تكون قوة عالمية ضمن القوى المؤثرة في عالمنا المعاصر.
وهي مؤهلة لذلك لو أخلص أبناؤها، واستشعروا مسؤوليتهم تجاه أنفسهم أولاً، وتجاه العالم الذي يمر بأزمات ومشكلات وصل العالم معها إلى درجة اليأس، في حين أن الشعوب ينبغي ألا تعرف اليأس، وأن تقاوم مظاهره وخفاياه قدر المستطاع حتى لا تتوقف حركة الحياة وتتعطل الطاقات ويتجمد واقع الناس.
إن الإنسان بطبعه وبتكونيه قادر دوماً على تجاوز الانكسارات ومواجهة المصاعب مهما كانت قاسية ومريرة. هكذا يحدثنا التاريخ وتحكي لنا التجارب، ويقول لنا واقع الشعوب الحية والناهضة من حولنا. تلك التي لم يتسرب اليأس إلى قلوب أبنائها ولا يتسلل العجز إلى حياتهم الفكرية والعملية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"