الرأي

02:44 صباحا
قراءة 3 دقائق

قال الحكيم:

الرأي قبلَ شجاعةِ الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفسٍ حرةٍ

بلغت من العلياءِ كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعن الأقران

لولا العقول لكان أدنى ضيغمٍ

أدنى إلى شرفٍ من الإنسان

قبل أن نطرح السؤال: هل يوجد في الإمارات رأي عام، علينا أن نطرح هل توجد حرية كافية لطرح الرأي؟ فإذا ما توفر هذا العنصر المهم جداً، فلا بد للرأي من أن يخرج ناصعاً نظيفاً لا غبار يشوبه، ولا شك ينوبه، أما في حال تعذر الحرية وانعدامها فلا رأي لمن لا حرية له.

ونحن نسأل فنقول: ما الرأي الذي نريده في هذه المرحلة؟ ولأي غرض؟ أللتزلف القبيح أم للحق الصبيح؟ ولنفترض الآن أن استبياناً وضع للإجابة عن هذا السؤال المهم، فمن الأرجح أن تكون النتيجة بجانب الصبيح لا القبيح، لأن الفطرة السليمة مغرمة بالجميل، أما السقيمة فمن الطبيعي أنها لا تميز بين هذا وذاك، وربما اختارت الدميم.

لكن الآراء الصريحة الصبيحة لن ترى النور ما دامت مساحة حرية التعبير محصورة في إطار خجول يبدو أميل الى تدبيج المديح والإطراء، منه الى إبراز الحقيقة، وعليه، فقبل أن ندلي بدلونا في قضايا خارجية لا يهمنا أكثرها، ما أحوجنا الى تناول قضايانا الحيوية، بل المصيرية، فالعليل عليه أولاً بعلاج علته، قبل إعطاء نصائح شفاء لعلل وأمراض الآخرين.

نعم، الرأي العام الإماراتي يتخوّف من مجرد تناول قضايا بعينها فكيف بالخوض فيها؟ والمقارنة بيننا والدول المتقدمة مقارنة مشوهة، لأن الدول المتقدمة لا يقاس تقدمها بالتطور العمراني والصناعي فقط، بل بما لديها من تشريعات، تأخذ في الحسبان حرية الفكر وتنظيم حياة الإنسان على الوجه الأكمل، فهناك قبل كل شيء آخر في هذه الدول المتقدمة حياة برلمانية نجمت عن انتخابات حرة نزيهة.

إن الذين ينادون بطرح الآراء حول القضايا التي تهم الوطن والمواطن، يعرفون قبل غيرهم أنهم أعجز من أن يفصحوا في ما يدلون به من أفكار وآراء عن حقيقة تلك القضايا الحيوية وتبعاتها الخطيرة على مستقبلنا. أما إذا توهموا أنهم أشجع من غيرهم من مثقفي هذا الوطن، فلماذا لا يبادرون بالطرح الصريح لتكون لهم فضيلة المبادرة، وبذلك فقط يثبتون شجاعتهم؟

لولا المشقةُ ساد الناس كلهمُ

الجودُ يفقرُ والإقدامُ قتّالُ

أما ما القضايا التي لا بد للرأي الحر من طرحها وتحليلها وحلحلتها اذا شئت، فليس أولها التركيبة السكانية، ولا الجزر المحتلة التي لا يجرؤ أحد منا حتى على الإشارة بسبابته الى موقعها على خارطة الخليج العربي، والتي أشار إليها بخجل شديد البيان الختامي لقمة دمشق، قبل ان ينبري وزير خارجية طهران للدفاع عن فارسيتها على رؤوس الأشهاد، ويفند بصراحة لا تخلو من الاستعلاء حق الإمارات فيها.

إن حرية التعبير، بل الحرية بشكل عام، هي القضية الأولى والأهم بين سائر القضايا، بل هي السبيل الوحيد المفضي الى رحاب الرؤية الواضحة، والهادي الأوحد الى التحليق في فضاء الرؤى المضيئة. وحدها الحرية قادرة على تحريك الانسان نحو التقدم، وعن الحرية يقول تولستوي: كنوز الأرض كلها لا أطمع فيها، ما أطمع فيه حياة طائر يعشق الحرية.

أما الحرية الحقيقية كما يعرّفها قاسم أمين فهي: توفّر إبداء كل رأي، ونشر كل مذهب وترويج كل فكر. ونحن نقول: إن الآراء الخلاّقة، تولد من رحم الحرية، وهي تنمو وتعطي أكلها في أحضانها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"