نواكشوط قصيدة الحب والجمال

03:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
على الرغم من تلك المسافة الطويلة بين الخليج والمحيط، والرحلة التي تتجلى مع التعب في سماء قريبة تنبض بالشغف وبالمحبة، وهي تحلّق بأجنحة تضرب في الريح وتتخطى السحاب وهي لا تكاد ترى الأرض، إلا أن هذا الطريق البعيد يؤدي إلى حلم متخيل وواقع باهر، فحين تحط الطائرة على أرض نواكشوط تستقبلك القلوب بالألفة وترى العيون اللامعة بعطر اللقاء، كأنها سماء من المحبة الفياضة تشرق بالفرح وتشعر بأن الأحاسيس تفرش لك سجادة من ورد وضوء، فتحس حينها بأن المسافة لم تكن إلا لحظات أوصلتك إلى أرواح ترافقك بكرم الضيافة وتحفك بالبسمة الخالصة.
ليس هذا فحسب، فإنك أينما تولي فثمة حجر تنبت تحته قصيدة، وثمة منبر يقف عليه عصفور الشعر مغرداً بالحب والجمال، لكنك ستجد في نواكشوط بيتاً أشبه بغابة أشجار تلتقي على أغصانها عصافير الكلام وتستظل بفيء أشجارها قلوب تعشق ديوان العرب وتجلّه، هذا البيت هو إحدى هدايا الشعر الغالية للشعراء في أقطار الوطن العربي، هو المحطة الثانية ضمن مبادرة كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بيت وجد للشعر وأسس على قصيدة تنبض في أرض ذكر أنها بلد المليون شاعر، ومنذ افتتاح نشاط هذا البيت وأنا أتابعه بشغف، وهو يواصل نشاطاً إبداعياً يعبر عن طبيعة الشعب الموريتاني العاشق للشعر، فقد قيل إن الناس في موريتانيا يعيشون حياتهم مع الشعر بطريقة مختلفة، ولو تخيلنا مدى الحفاوة التي يستقبل بها الشعب الموريتاني الشعر فإننا سنصاب بالاندهاش، وقد عشت ثلاثة أيام مع إبداعات شابة تمتلك القدرة الحقيقية على العزف المنفرد، والتماهي مع الشعر المعبر، لم تكن تلك الأصوات التي جلجلت في مهرجان نواكشوط للشعر العربي عادية، إنما أثبتت أن الشعر بخير.

إن مبادرة صاحب السمو حاكم الشارقة تسافر إلى المستقبل وتخترق الحجاب الحاجز بين الشعر والشعراء، فكل يوم تظهر إلى الساحة الأدبية مجموعة من أصحاب الإبداع الرفيع في هذا الفن الذي يظن البعض أنه يتوارى خلف سراب السنين. لقد عشت تجربة مختلفة في موريتانيا في بيت الشعر الذي يضم الكثير من الشعراء الذين يسكنهم الأمل في أن يواصلوا حركة الشعر، وأن يجددوا أساليبه وأنماطه مع الحفاظ على الشكل المتعارف عليه للقصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وقد سعدت بصحبة عبد الله محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة بالشارقة في حضور هذا المحفل الشعري، وأتيح لي أن أتعرف إلى وجوه إبداعية لها خصائصها الفنية وسماتها التي تميزها في عالم الشعر الجميل.
وما من شك في أن مهرجان نواكشوط للشعر العربي في دورته الثانية، يمثّل حدثاً كبيراً إذ يسهم في استقطاب بعض النماذج اللافتة للمشاركة في فعاليات بيت الشعر في الشارقة، خصوصاً أن هذه الإمارة التي تعد عاصمة للثقافة العربية بكل ما تملك من مقومات إبداعية هي بيئة حاضنة للشعراء المتميزين، إذ إن معيار اختيار المبدعين لا علاقة له بشاعر مشهور من آخر غير معروف، لكن الفيصل في ذلك هو اكتمال الموهبة ومدى قدرتها على التأثير في الواقع المحيط، وفي هذا المهرجان الذي تابعت فيه شعراء لديهم طاقات فذة وإبداع حقيقي قد أضفت لنفسي وفي سجلي بعض الأسماء التي تستحق العناية والرعاية وتقديم الدعم لها بما يتماشى مع آليات مبادرة إقامة بيوت الشعر في الوطن العربي وبما يتوافق مع رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة.

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"