الصراع على بلد النخيل

02:51 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

تواجه كل من الولايات والمتحدة وإيران تزايداً مطرداً في عدد المصابين والمتوفين بجائحة كورونا. وقد تبادل البلدان الاتهامات حول دور العقوبات الأمريكية المفروضة على بلاد فارس في إضعاف جهوزية هذا البلد للتعامل مع استحقاق انتشار الوباء، وهو ما تردد على لسان أكثر من مسؤول إيرني، بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف، فيما نفت واشنطن الاتهامات، مشددة على أن الأدوية والمستلزمات الطبية غير مشمولة في الأصل بالعقوبات. وخلال تصاعد الوباء العالمي بمعدلات كبيرة في البلدين، عرضت واشنطن تقديم العون الطبي والإغاثي لإيران، وردّت طهران على ذلك باستعدادها لفتح مراكز طبية لها في نيويورك وعواصم أوروبية لتقديم العون.
غير أن السجال بين الجانبين لم يقتصر على تداعيات المرض في البلدين (كما هو الحال في السجال بين الولايات المتحدة والصين)، بل تزامن مع تلاسن آخر حول نفوذ كل من الطرفين في بلد ثالث هو العراق. ففي غضون الأسبوع الماضي نفذت الولايات المتحدة خطة لإعادة تموضع قواتها في قاعدتين كبيرتين في محافظة الأنبار، وفي أربيل، وجهزت القاعدتين ببطاريات باتريوت المضادة للصواريخ. فيما زار في الأثناء القائد الجديد للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني بغداد على الرغم من حظر التجول المفروض في العاصمة العراقية، وعلى الرغم من أن الزيارات بين زعماء دول العالم قد توقفت في الآونة الأخيرة، وذلك خشية من تداعيات التواصل عن قُرب.
وقد التقى قآني بزعامات ميليشيات على صلة بطهران، وبرئيس الجمهورية برهم صالح. وبينما فُهم أن زيارة المسؤول الإيراني تتعلق بتوحيد موقف الميليشيات من تكليف عدنان الزرفي محافظ النجف السابق برئاسة الحكومة، وباتجاه رفض هذا الترشيح، رأت أوساط أخرى، ومنها الولايات المتحدة، في هذه الزيارة محاولة لتنسيق الموقف باتجاه ممارسة الضغط العسكري على الوجود الأمريكي في بلاد الرافدين، وهو ما حمل الرئيس دونالد ترامب على القول: «تؤكد معلومات وحقائق أن إيران أو وكلاءها يخططون لهجوم مباغت على قوات أمريكية أو منشآت في العراق. إذا حدث ذلك، فإن إيران ستدفع ثمناً باهظاً جداً». وفي هذه الأثناء يشعر صانعو القرار في واشنطن، خصوصاً في البنتاجون، أن طهران قد تستغل الانشغال العالمي، ومنه الأمريكي بتطورات المواجهة مع وباء كورونا، لمعاودة الهجمات على قواعد أمريكية من خلال ميليشيات، أبرزها كتائب حزب الله العراقي، وذلك جنباً إلى جنب مع محاولة تنصيب رئيس وزراء جديد يُحسن الإصغاء التام لما تريده طهران، والمرشح الحالي الزرفي لا ينال ثقة طهران، بل يتعرض لحملات من أوساط إيرانية رسمية تصفه بأنه عميل للأمريكيين، وتأخذ عليه جنسيته الأمريكية، علماً أنه ليس الوحيد بين الزعامات المحلية الذي يحوز جنسية أجنبية.
يضاف إلى ما تقدم فإن طهران تسعى لاستثمار قرار الكونجرس الأمريكي الذي يمنع الرئيس ترامب من شن حرب على طهران إلا بعد التصويت على القرار. وبإدراك هذا القيد التشريعي، فإن طهران تشعر بأن ترامب مقيد بالفعل، فيما لا شيء يقيد طهران. لا كورونا ولا غيرها، وهو ما يوفر فرصة لممارسة الضغوط ليس على الوجود الأمريكي فحسب، بل قبل ذلك على أي قوى سياسية عراقية مستقلة تنحو نحو تجنيب بلادها مخاطر الصراع بين هاتين القوتين على الأرض العراقية، وتشكيل حكومة جديدة تملك قرارها المستقل عن التدخل الخارجي.
في الأيام القليلة الماضية واظب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس على الدعوة إلى وقف الصراع، وإطفاء بؤر التوتر في عالمنا، والتجند لمكافحة الوباء العالمي بصورة جماعية، غير أن هذه الدعوة لا تستوقف البعض، فمكافحة الأوبئة وإنقاذ البشر لا يقعان على سلّم الأولويات، مقارنة ببسط النفوذ. بل يُراد استغلال ظروف انتشار الوباء من أجل إدامة بؤرة التوتر في بلد النخيل من وراء ظهر الشعب، وبالتضاد مع ما عبّرت جموع المحتجين على مدى شهور من نقمتها على رموز ومظاهر الفساد والتبعية والاستبداد، وهو ما يعزز القناعة بأن المخرج الصالح لأزمات العراق يمُر بل يبدأ وجوباً بمغادرة القوات الأجنبية، ووقف كل أشكال التدخل الخارجي في هذا البلد، وتعزيز قدرات القوات المسلحة العراقية على بسط السيادة على جميع ربوع بلد الرشيد والمأمون.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"