"الحقيقة المدمجة": تكنولوجيا متطورة من عالم الخيال

مجالات استخدامها متعددة
03:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
لا تزال ألعاب الفيديو مسلية للكثيرين منذ ما يقرب من 30 عاماً، ويوماً بعد يوم تصبح رسوم الحاسوب أكثر واقعية وتعقيداً وتعرض أدق التفاصيل الحياتية في عالم افتراضي واسع . يقوم الباحثون والمهندسون في الوقت الراهن بالاستفادة من هذه الرسوم ودمجها في بيئة العالم الحقيقي، مما يغري عشاق التقنية في الدخول إلى عوالم مذهلة ومسلية، تجعلهم يعيشون الحلم وكأنه حقيقة .

يطلق على هذه التكنولوجيا مسمى الحقيقة المدمجة Augmented Reality، حيث تقوم بإضافة أشكال ثلاثية الأبعاد أو ثنائية الأبعاد، وتضيف الصوت والنصوص عبر المشهد الحقيقي المصور من خلال الكاميرا لعرضها على الشاشة .

ويمكن للجميع الاستفادة من الحقيقة المدمجة بمن فيهم السائح والإنسان العادي الذي يبحث عن أقرب محطة مترو توصله إلى غايته .

إن الحقيقة المدمجة ستغير نظرتنا للعالم، أو على الأقل طريقة مستخدميها للعالم المحيط بهم .

تخيل نفسك تقود سيارتك أو تمشي في الطريق وأنت ترتدي نظارة تقنية تظهر لك معلومات مرئية وصوتيه عن حالة الطقس مثلاً أو المدينة من دون عناء البحث عن معالمها أو حتى عن طريق مختصر يمكن أن تصل من خلاله إلى بيتك بعيداً عن الزحام المروري . وفي الحقيقة هناك بعض التطبيقات المشابهه موجودة على أجهزة الهواتف الذكية لكنها لا تزال في مراحلها الأولى .

الفكرة الأساسية في الحقيقة المدمجة استخدام رسوم افتراضية وأصوات ينتجها الحاسوب ودمجها مع العالم الواقعي بواسطة كاميرا وجهاز استشعار، وقد يظن البعض لوهلة أن هذه التقنية موجودة أصلاً كما في التلفاز، لكن الحقيقة المدمجة متقدمة أكثر من أي تكنولوجيا موجودة، لأنها تمكن المستخدم من التفاعل مع هذه الرسوم كأنها واقعية أمامه، وهي على سبيل المثال تظهر شاشة افتراضية أمامه وتتيح له فرصة التنقل بين إعداداتها لدخول الإنترنت أو الاتصال بأحدهم .

ومن المنتجات الأخرى المثيرة للاهتمام والتي تستخدم تقنية الحقيقة المدمجة جهاز الحاسة السادسة الذي يتكون من كاميرا مدمجة بجهاز للعرض Projector وهاتف ذكي متصل بالشبكة العنكبوتية، ويستقبل الجهاز الذي يمكن ارتداؤه أي معلومة من الوسط المحيط بالشخص، إذ تلتقط الكاميرا حركات اليد، وكذلك تشكيلات الرسوم التي ترسمها اليد على أي سطح من السطوح، ويمكن تحويل جهاز العرض إلى شاشة تعمل باللمس . وبمقدور مستخدم جهاز الحاسة السادسة مثلاً رسم دائرة على معصمه كي يقوم الجهاز بعرض ساعة رقمية مدورة على شاشته . كما يقوم الجهاز بتصوير الأشياء المحيطة به بكبسة زر واحدة، ولو أراد مستخدم الجهاز رسم إطار ما حول أي شيء موجود في الغرفة فإن الجهاز سيصوره بالكاميرا .

ناك العديد من التطبيقات التي تستخدم تقنية الحقيقة المدمجة فعلى سبيل المثال برنامج ليار Layar على نظامي الأندرويد وأو إس، والذي يقوم باستخدام برنامج تحديد المواقع GPS وكاميرا الهاتف يمكن أن يجمع معلومات مختلفة عن المنطقة التي يوجد فيها الشخص، كمواقع المطاعم والفنادق أو أي وجهة سياحية شهيرة، كما يمكن أيضاً تصوير أي مبنى بالكاميرا ليقوم بعدها البرنامج بعرض أسماء الشركات أو المؤسسات الموجودة في ذلك المبنى .

وهناك أيضاً تطبيق يلب Yelp على الآي فون والذي يعد وسيلة تساعد في إيجاد المطاعم أو محلات التسوق القريبة من المستخدم اعتماداً على كلمات بحثه .

ويوجد العديد من التطبيقات التي تستخدم نظام تحديد المواقع والانترنت مثل تطبيق غلانس الذي يستخدم في المواقع الاجتماعية، حيث يقوم الشخص بالدخول على حسابه على الفيس بوك، ومن ثم يقوم غلانس برصد الأصدقاء الموجودين بالمنطقة التي يوجد فيها المستخدم، وبالتالي يمكن الالتقاء معهم وجهاً لوجه .

وتتهافت الشركات المطورة لألعاب الفيديو على تبني الحقيقة المدمجة واستخدامها في الألعاب، كما نرى في البرامج التي تنتجها شركة توتال إميرجين، إذ يمكنك الدخول إلى الشبكة العنكبوتية وزيارة الموقع الرسمي للشركة وتحميل برنامج تجريبي للعبة البيسبول مثلاً، بعد أن يطلب منك البرنامج بطاقة رسم عليها لاعب بيسبول لتضعها أمام كاميرا الحاسوب، ثم يقوم البرنامج بالتعرف إلى صورة اللاعب وعرضها بتقنية ثلاثية الأبعاد أمام الكاميرا، وبعدها يمكنك إعطاء الأوامر للاعب برمي الكرة أو الركض .

لا تزال جهود شركة توتال إميرجين مجرد بداية، يمكن أن تتطور في السنوات القليلة المقبلة لتشمل نشاطات خارجية بين عدد أكبر من المستخدمين، مثل ألعاب السباق لجمع رموز افتراضية مبعثرة في أنحاء المدينة، حيث يقوم اللاعبون باستخدام هواتفهم الذكية للعثور على هذه الرموز وتجميعها ومعرفة ما هيتها .

وهناك أيضاً منصات الألعاب نينتيندو 3 دي إس وبلاي ستيشين فيتا وإكس بوكس 360 تستخدم هي الأخرى هذه التقنية في بعض الألعاب .

وقامت شركة أركين للتكنولوجيا الكندية ببيع الجيش الأمريكي أجهزة تدريب بتقنية الحقيقة المدمجة يرتديها الجندي على رأسه، ويمكن من خلالها رصد تحركات العدو، وجمع معلومات عن المنطقة وعدد المركبات العسكرية والمدرعات وغيرها، وهناك أيضاً أجهزة أخرى يمكن وصلها عبر الأقمار الاصطناعية للتحكم بالطائرات من دون طيار وإعطاؤها الأوامر، لكن هذه الأجهزة تستخدم في مجال التدريب العسكري فقط ولا تزال تحتاج إلى الكثير من التطوير .

وتواجه تقنية الحقيقة المدمجة العديد من التحديات، حيث إن الكثير من هذه الأجهزة تعتمد بشكل كبير على نظام تحديد المواقع GPS الذي يكون دقيقاً فقط ضمن مسافة لا تتعدى 30 قدماً (9 أمتار) .

وهناك سبب آخر مهم لمحدودية استخدام هذه التقنية تتعلق بمستخدميها فقد لا يرغب بعض الأشخاص في استخدام هواتفهم المحمولة بشاشاتها الصغيرة لعرض المعلومات، والاستعاضة عنها باستخدام جهاز الحاسة السادسة الذي يعرض المعلومات على مستوى النظر .

كما أن موضوع حماية الخصوصية يشكل عقبة أخرى أمام انتشار الحقيقة المدمجة، حيث سيتمكن مستخدمو هذه التقنية الموجودة في هواتفهم الذكية من جمع معلومات شخصية عن العديد من الأشخاص وربما سيتمكنون من الدخول على حساباتهم الشخصية في الفيس بوك والتويتر ولينكدإن وتسريب المعلومات والصور، وربما تقع في أيدي منظمات مجهولة وتقوم باستغلالها بشكل أو بآخر .

وبالرغم من كل هذه المخاوف، تخيل ما ستحققه هذه التقنية من فوائد جمة إذ يمكنك مستقبلاً التعرف إلى تاريخ المدينة التي تعيش فيها من خلال تصوير أحد المباني أو الحدائق عن طريق هاتفك . أو يمكن للمهندس المعماري وضع إشارات باستخدام قلم رقمي على المباني التي تحتاج لمواد بناء معينة، كما يمكن لعلماء الحفريات وضع ملاحظاتهم الافتراضية على عظام الديناصورات والاكتشافات الأخرى . وكذلك أن يعرض الطبيب صور الأشعة السينية للمريض على جسم افتراضي من أجل إضفاء مزيد من الواقعية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"