«حق الليلة».. احتفال بنكهة تراثية

تجمع الكبار والصغار وتبهج المجتمع
03:34 صباحا
قراءة 5 دقائق
تحقيق:علي كامل خطاب
«حق الليلة» احتفاء مبكر برمضان الذي يبشر به شهر شعبان، ويعد صورة تعكس التكافل في المجتمع الخليجي القديم، واستمراره إلى الآن مع التقدم الذي تشهده الإمارات دليل حرص كبير على الاحتفاظ بالتراث، ولاسيما المتعلق بالحياة الاجتماعية، حيث ترسم معالم الحياة في الماضي، فيقوم الأطفال بجمع الكثير من العطايا «حلوى ومكسرات ومشروبات»، وغيرها، ما يدخل البهجة والسعادة على قلوبهم ويحيل المجتمع أسرة واحدة متكاتفة ومتكافلة. ارتبط الاحتفال بـ«حق الليلة»، بالأغاني والأهازيج وألوان الفرحة والسعادة، ما يدخل البهجة على قلوبهم، وهم يرتدون الملابس التقليدية المزينة، ويحملون في أيديهم أكياساً من قماش «خراريط».. يجمعون فيها العطايا، وهم يتجولون بين الأحياء السكنية. وتربط هذه الليلة بالكثير من ذكريات الكبار كانت ذاكرتهم لها وعاء طول سنوات عدة ويجدون فيها شعوراً بالطفولة والحنين إلى الماضي،
تقول أم راشد «ربة منزل وأم لثلاثة أولاد»: القرقيعان أو «حق الليلة»، من أهم العادات الشعبية التراثية في الإمارات، وهي تعبر عن فرحة الأطفال الذين يجوبون الشوارع مرتدين الملابس الشعبية، ويحملون أكياساً تخاط خصيصاً لهذه المناسبة ليجمعوا فيها الحلوى، والمكسرات، التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت، مبتهجين بهذه المناسبة التي توارثتها الأجيال، يجوبون بيوت الفريج لجمع ما يستطيعون من الحلوى، ومن الذكريات الجميلة أننا كنا نتباهى في ما بيننا أيُّنا جمع أكثر من الحلويات، والمكسرات، ونثني على صاحب المنزل الذي أعطانا كمية أكبر ونوعيات مختلفة من الحلوى والمكسرات.
وتضيف: نرى أنفسنا في مرحلة الطفولة بما لها من ذكريات طيبة في نفوسنا عندما نسمع الأطفال يرددون الأهازيج الخاصة بحق الليلة، قائلين:«أعطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، أعطونا من مال الله، سلم لكم عبدالله».
وأكد سعيد بن يعروف «الباحث في التراث الإماراتي»، أن للاحتفال أبعاداً اجتماعية، منها إحياء العادة السنوية والملابس التراثية التي ترتديها البنات المزينة والمنقوشة، ومنها المزخرفة أيضاً، ونشر البسمة والبهجة على وجوه الأطفال، بجانب تذكير الكبار بطفولتهم وحياتهم في الصغر.
وأضاف ابن يعروف أن أغلب الآراء تذكر أن الاحتفال بحق الليلة، بدأ في القرن الثالث الهجري، وأما سبب التسمية، فاختلف المؤرخون، فمنهم من يسميه «القرقاعون والقرنقعوه والكركيعان وحق الليلة»، وهي أسماء مختلفة تتفق ولهجة ولغة كل دولة خليجية.
ويرى ابن يعروف أن «حق الليلة»، من العادات المتعارف عليها لدى أبناء الخليج العربي، حيث يحتفل في النصف من شعبان بهذه المناسبة، والتي تبدأ لدى البعض ليلتي 14 و15 من شهر شعبان، وهذه المناسبة من المناسبات التراثية الجميلة الموروثة عن الأجداد من مئات السنين، والتي تحولت إلى مهرجان احتفالي يلبس الأطفال فيه الملابس الخليجية التراثية التقليدية والجديدة والمزركشة والمخانق، ويحملون أكياساً متنوعة الأحجام والأشكال والألوان يطوفون بها الفريج والشوارع في داخل الأحياء، ويطرقون أبواب المنازل مرددين الأناشيد والأهازيج الشعبية التي تختلف من منطقة لأخرى، ومن أهم الأناشيد والأهازيج التي يرددها الأطفال في الإمارات خلال جمع مكسرات وحلويات حق الليلة: «عطونا الله يعطيكم بيت مكه يوديكم».
هدى سالم الدح «مديرة نادي الشارقة للصحافة» تقول: الاحتفال بهذه الليلة يعد حفاظاً على التراث الإماراتي والخليجي حيث، يرتدي الأطفال الدشداشة والخراريط التي يجمعون بها الحلوى، والبنات يرتدين الملابس المزينة والذهب المشغول ذات الشكل التراثي، ويتبارون في ترديد الأغاني مشاركين الكبار والصغار في ذلك. وأضافت : استطعت نقل الاحتفال بهذه الليلة وعرض تراثنا الأصيل في دولة هولندا في العام 2012 ، حيث قمت بمبادرة التعريف بالتراث الشعبي الإماراتي، وعرضت كيفية الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وكانت هناك ردة فعل جميلة من الهولنديين.
وتزداد فرحة الأطفال بهذه المناسبة من البنات والبنين حيث يرتدون الثياب التقليدية، فالولد بالزي الرجالي، والبنت بالزي الشعبي والتراثي المزركش، وفيه الكثير من الألوان التي تعكس الفرحة وتبعث على البهجة، وتلبس الحلي والزينة.

تقول الطفلة فجر الحمادي «الصف الخامس»: أتشوق لهذه المناسبة وهي النصف من شعبان، لاحتفل مع صديقاتي وبنات عمي بحق الليلة، مضيفة «نجتمع مع الأهل والأقارب ونردد الأغاني الشعبية، ونطوف على البيوت الموجودة في الفريج، ونجمع كميات كبيرة من الحلويات التي لم نعتد تناولها، لأنها موسمية، ولا نحصل عليها إلا في ليلة النصف من شعبان».

وتضيف : التنافس بيننا يكون بجمع الكثير من حلويات حق الليلة، وهي الشغل الشاغل لنا، فضلاً عن أن كل الأولاد والبنات يرتدون في هذا اليوم ملابس تراثية تتعلق بالمناسبة ذاتها، وهذا ما يشعرنا بلذة الاحتفال.
أما يوسف حمد «الصف الرابع الابتدائي»، فيقول: أفرح مع الأطفال الذين يجوبون الشوارع وأرتدي زياً تقليدياً، وأحمل كيساً «خرايط» لجمع الحلوى، والمكسرات التي أحصل عليها من أصحاب البيوت وأنا سعيد بهذه المناسبة.
وأضاف : أحاول أن أجمع أكبر كمية ممكنة من الحلوى والمكسرات، في هذه الليلة لأننا نتبارى في ما بيننا من يجمع أكبر قدر ممكن منها، ونحن نغني ونردد مقاطع خاصة بهذا الاحتفال.
عبدالعزيز أحمد «الصف الأول الإعدادي»، يقول: «أنتظر هذه المناسبة حيث أرتدي الكندورة والصديري والطاقية، وأذهب بصحبة والدي نشتري الحلوى والمكسرات بكميات كبيرة، وأنتظر أنا وأصدقائي في الحي، حتى صلاة المغرب، وننتقل بين الحي لجمع الحلوى والمكسرات.
ويؤكد أحمد أن «حق الليلة»، مناسبة مهمة له ولأصدقائه، ويحتفل بها أيضاً في المدرسة وليس في الحي «الفريج» فقط، وأن تعود على هذه العادة منذ الصغر، وتكون فرصة للفرح والبهجة والتغني بالأغاني والأهازيج الجميلة مع فرحة أهل الحي والأهل.

ليلة مباركة

تذكر جميلة المرزوقي «زائرة من الكويت»، أن هناك عدة تفسيرات لسبب هذا الاحتفال، الذي يتشابه في الكثير من دول الخليج العربية، فهو حق الليلة في الإمارات والقرقيعان في الكويت وقرنقعوه في قطر والبحرين وقرنقشوه في سلطنة عمان، وفي اعتقادي؛ لأن ليلة النصف من شعبان مباركة، ففيها تم تغيير قبلة الصلاة من بيت المقدس إلى الكعبة في مكة، وشعبان من أفضل شهور السنة؛ لوقوعه بين شهرين فضيلين، هما رجب ورمضان، والبعض يرجع المناسبة إلى أن ليلة النصف من شعبان تسجل فيها الحسنات وتمحى السيئات، ويستجاب فيها الدعاء والتوسل إلى الله والتقرب إليه بمختلف أنواع العبادات.
وعن مظاهر تغير الاحتفال عن القديم، تضيف : نشارك في توزيع الحلويات على الأطفال، ولكن ما تغير وفي الأعوام الأخيرة، نتيجة اتساع الأحياء، هو تخصيص طاولة عند باب المنزل يقف عندها الأب ليشجع الأطفال على التقدم ليوزع ما يجود به، ولا يتحفظ الأطفال على طرق كل باب غني أو فقير؛ لأن الجميع يشارك في هذه المناسبة الغالية».
وتبين المرزوقي أن حلويات الآن تختلف عن الماضي، فهي خليط من المكسرات مثل التين وبيض الصعو بألوانه الأزرق والوردي والأبيض، و«الشكريا»، و«البرميت»، و«الشاكليت»، و«الزلابيا» .
أما أنواع المكسرات، فمنها «البيذام»، وهو اللوز بأنواعه المقشر والخفيف والجاف وذي القشر، و«اليوز»، وهو الجوز أو عين الجمل، كذلك «النخي»، وهو الحمص المحمص، و«الحبة الخضراء».

رواج

يؤكد جابر سعد أحد البائعين أن«حق الليلة»، مناسبة مهمة في رواج بيع المكسرات والحلويات والسلال والأكياس، وكل ما يتعلق بهذه المناسبة، التي يحرص أهل الإمارات على الاحتفال بها كل عام في النصف من شعبان.
ويكشف سعد أن الإقبال على شراء حلويات حق الليلة يزداد قبل المناسبة بيومين، ويزداد أكثر في يوم هذه المناسبة، حيث تعج الكثير من المحال بكل أصناف المكسرات والحلويات، وتتفنن المحال في إعدادها بطرق مختلفة، من أجل جذب الزبائن، ولبيع كميات كبيرة منها بما يحقق المزيد من الربح، مشيراً إلى توفر الأكياس المخصصة للاحتفال بحق الليلة، فهناك أكياس للأولاد وأخرى للبنات، وذلك لتلبية رغبات جميع الأطفال في هذه المناسبة التراثية، التي يجتمع على حبها والاحتفال بها الكبار والصغار، فهي فرصة للرواج التجاري ومناسبة لزيادة معدلات البيع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"