من يتقن الإنجليزية لا يجيد العربية

د. شهاب غانم:
04:02 صباحا
قراءة 4 دقائق
** الشارقة: عثمان حسن

في هذا الحوار، يؤكد الشاعر والمترجم الدكتور شهاب غانم على افتقاد الساحة المحلية لمترجمين إماراتيين، ويلفت إلى أن هذا الحقل الإبداعي هو مجال أساسي في مشاريع النهضة، وأنه على الرغم من أن مشروع «كلمة» نشأ في الإمارات، وهو من أهم مشاريع الترجمة في العالم العربي، فإننا نكاد لا نعثر على المترجم الإماراتي بين مترجمي أكثر من ألف كتاب قدمها المشروع للمكتبة العربية. وفي ذات الوقت يؤكد غانم على أن الترجمة حقل صعب، خاصة في مجال الشعر، هذا الميدان المتخصص، الذي يحتاج إلى مثقف وشاعر، وهو يرجع أسباب هذا الغياب لمجموعة من العوامل بينها أن المثقفين الإماراتيين خاصة الذين درسوا في الغرب، يتقنون الإنجليزية، ولكنهم لا يتقنون العربية، وهذه إشكالية كبيرة، يؤكد غانم على أن الإمارات ستتجاوزها في مقبل الأيام.
المترجمون في دور النشر المحلية في غالبيتهم من جنسيات أخرى، أين هو المترجم الإماراتي؟
-نعم، نحن نلحظ هذا الغياب في ترجمات الشعر والقصة والرواية، كما نلحظ غياباً للمترجم الإماراتي المتخصص في حقل الفكر والدراسات والأبحاث المتخصصة.
ولكن، ألا يبدو هذا غريباً مع وجود دعم رسمي لحقل الترجمة؟
- الترجمة أمر أساسي في مشاريع النهضة، وقد عرفت أمتنا هذه التجربة في العصر العباسي الأول ومشروع بيت الحكمة، ثم في عهد محمد علي باشا ومشروع مدرسة الألسن ورفاعة الطهطاوي، وما أعقب ذلك في فترة النهضة الحديثة على ما فيها من قصور.
الإمارات بعد إنشاء الاتحاد، حظيت بشعراء وروائيين، وعدد من المثقفين، وعدد كبير من المتعلمين، بما في ذلك حملة الدكتوراه، ولكن تكاد لا ترى بين المواطنين الإماراتيين من اشتغل بالترجمة. وعلى الرغم من أن مشروع «كلمة» نشأ في الإمارات، وهو من أهم مشاريع الترجمة في العالم العربي، فنحن لا نعثر على المترجم الإماراتي بين إصداراته.
أنت من الأسماء القليلة، التي صدرت لك ترجمات من خلال «كلمة».
- صدرت لي في هذا المشروع عدة كتب هي: «كيف انتحر مايكوفسكي» للشاعر الهندي ك. ساتشيدانندان، و«رنين الثريا» للشاعرة الهندية كمالا ثريا، وأيضاًَ «من أجل السلام» للشاعر الياباني دايساكو إيكيدا، كما قدمت «مختارات من شعر كيرالا المعاصر» لأكثر من 60 شاعراً.
ويلاحظ المرء أنها جميعها في مجال الشعر، كما أنني -بحسب علمي- المواطن الوحيد الذي نشر مشروع «كلمة» بعض ترجماته. والواقع أنني ترجمت 30 كتاباً من الإنجليزية إلى العربية، و من العربية إلى الإنجليزية، كلها في مجال الشعر، فأنا في الأساس شاعر، وأريد أن أخدم الشعر، وأستكمل مشروعي الشعري الذي نشرت فيه نحو 20 ديواناً.
برأيك ما هي أسباب عزوف الإماراتيين عن الترجمة الأدبية؟
- أستطيع أن ألخص أسباب هذه المشكلة كما يلي: الترجمة حقل شاق والمكافآت فيه غير مغرية، كما أن الأدباء الذين يجيدون العربية لا يجيدون الإنجليزية أو اللغات الأخرى بنفس الدرجة أو بالقدر الذي يعطيهم الثقة للقيام بترجمة الأدب وخصوصاً الشعر، والعكس صحيح، والذين يجيدون اللغتين بشكل متقارب، لا يجدون الحافز المادي للترجمة.
وهذه إشكالية تحتاج من الجهات الثقافية المختلفة انتباهاً أكثر، لجهة إعداد مترجمين أكفاء، وهو موضوع يحتاج دعماً وتشجيعاً، خاصة مع معرفة المثقفين الإماراتيين للغة الإنجليزية، وهي معرفة تؤهل الكثير منهم لارتياد هذا الحقل الإبداعي الذي نحتاج إليه في الإمارات، ومن متابعتي الحثيثة لهذه المشكلة، أرى أن بعض الهواة يكتبون الشعر باللغة الأجنبية، وينشرون من خلالها الدواوين الشعرية (وائل الصايغ على سبيل المثال الذي نشر أكثر من ديوان بالإنجليزية) وهناك أيضاً من يكتبون المؤلفات العلمية القيمة باللغة الأجنبية (د. وضاح شهاب غانم له خمسة كتب علمية وبعضها يعد مراجع في مجالها وقد نشرها بالإنجليزية في أمريكا أو بريطانيا).
وأود أن أضيف، ما يؤكد على أن الإمارات نهضت منذ جيل أو جيلين فقط، ولا بد أن يبرز مثقفون مبدعون ولو قلة، يمتلكون ناصية العربية مع لغات أخرى، ويهتمون بالترجمة في السنوات القليلة المقبلة. وربما كان المترجم الإماراتي في المستقبل أقدر من غيره على ترجمة النصوص المتعلقة ببيئة وثرات الإمارات.
ما الذي يمكن أن تقوله بخصوص ترجمة الشعر؟
- إن ترجمة الشعر، وباتفاق كافة المختصين تعتبر إحدى أكثر المهام الشائكة والصعبة، وهي تشكل تحدياً لكل مترجم.. لقد سبق وأشار «روبرت فروست» إلى أن الشعر يضيع في الترجمة، ونحن نتفق مع هذا الكلام، فنحن في الترجمة أمام لغتين مختلفتين، وحتى لو امتلك المترجمون معرفة عميقة باللغة المترجم منها، فسوف تظل هناك فجوة، وسوف لن يكونوا قادرين على خلق نوع من التطابق بين الأصل واللغة المنقول إليها، ناهيك عن أن النقل من لغة إلى أخرى، يجب أن يراعي السمات الخاصة للقصيدة كالصوت والإيقاع، والتراكيب والدلالات وربما البحور، غير أن ذلك لا ينفي أن هناك ثمة مترجمين يحسنون مقاربة النص الأصلي إلى اللغة المترجم إليها، وهم قلة بكل الأحوال، وهذا أيضاً يجب أن لا يدفعنا إلى التشاؤم، بل لابد أن يشكل تحدياً ودعوة للاستمرار في هذا العمل الصعب والهام، والتشجيع عليه من قبل النخبة والمثقفين وكافة المؤسسات الأكاديمية والرسمية في الإمارات.
نحن في سباق مع الزمن، وربما نشهد في الأيام المقبلة نشاطاً في الترجمة الآلية التي تتطور بسرعة، وإن كان في نظري من المستحيل أن يأتي يوم يترجم فيه الشعر بدقة إلا من خلال شاعر متمكن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"