اغتيال المستقبل العربي

04:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
انقضت أيام الأعياد وبقيت ذكرياتها السعيدة تروّح عن النفوس المتعبة التي وجدت في عطلتها الخاطفة مرفأ لاستراحة عابرة في رحلة الحياة المضنية. الأعياد في عالمنا العربي المثقل بالهموم هي مواسم استثنائية للبهجة تتلهف عليها الشعوب التي أثخنتها الجراح القومية النازفة منذ سنوات وإلى أمد لا يعلمه إلا الله. إلا أن الطفولة تظل هي الضحية الكبرى.
هذه الصورة المحزنة توثقها عشرات من تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» وآخرها صدر قبل العيد بأيام قليلة وخصصته لمأساة أطفال العراق. التقرير الذي حمل عنوان «ثمن باهظ يدفعه أطفال العراق» ذكر أن 3.6 مليون طفل، أي أن واحداً من كل خمسة أطفال عراقيين معرضون لخطر الحرب والعنف الجنسي والتجنيد القصري والاختطاف. وكشف أيضاً عن أن هذه الجريمة الأخيرة أي الاختطاف أصبحت ظاهرة حقيقية مثيرة للقلق. ووفقاً لأرقام المنظمة الدولية فقد تم اختطاف 1496 طفلاً دون الثامنة عشرة من العمر خلال العامين والنصف السابقين أي بمعدل 50 طفلاً يومياً، ويتم استغلال معظمهم في القتال. بينما أرغم 1.5 مليون طفل أي 10% من أطفال العراق على الفرار من منازلهم بسبب العنف عام 2014 وحده.

ولا يبدو وضع الأطفال في سوريا المجاورة أحسن حالاً؛ إذ تشير التقارير الدولية إلى أن ما بين أربعة إلى ثمانية ملايين طفل أي أكثر من 80% من الأطفال السوريين قد تأثروا بالحرب، سواء من بقي منهم في بلده أم مَن فرّ إلى الخارج. ويوجد حالياً نحو مليوني طفل سوري لاجئ في حاجة ماسّة إلى العلاج النفسي بسبب ما تعرضوا له. وفضلاً عن القتل والتهجير يتعرض الأطفال السوريون لجريمة مروعة أخرى هي التعذيب.

كل تلك المآسي التي يشهدها أطفال العراق وسوريا عرفها قبلهم بزمن ومازال يعيشها أشقاؤهم الفلسطينيون. غزة وحدها شهدت ثلاثة اعتداءات «إسرائيلية» وحشية خلال ست سنوات، كان آخرها عدوان صيف 2014 الذي قتل فيه 551 طفلاً، وأصيب أكثر من 3436 آخرون، منهم 10% تعرضوا لعجز دائم. وتشير التقارير المتخصصة إلى أن نحو 326 ألف قاصر في القطاع يحتاجون لعلاج نفسي خاص نتيجة لمعاناتهم بسبب الحرب. ويوضح تقرير طبي أن 57% من أطفال غزة يعانون التبول اللاإرادي و70% يعانون كوابيس بسبب الحرب. أما سوء التغذية الذي يؤدي إلى الوفاة، فتلك مشكلة مزمنة بسبب الحصار الخانق.

مازالت قافلة البراءة العربية المسلوبة طويلة تمتد من فلسطين إلى العراق فسوريا وصولاً إلى اليمن. وقد يكون أطفال هذا البلد العربي الذي يعيش أحد أصعب الأوقات في تاريخه أفضل حالاً من حيث قلة عدد القتلى مقارنة بمناطق الصراعات الأخرى. غير أن المأساة الكبرى هناك تتمثل في النقص الحادّ في الغذاء والرعاية الصحية. وخلال العام الماضي أطلقت منظمة إنسانية استغاثة ناشدت فيها العالم إنقاذ أكثر من 8 ملايين طفل يمني يواجهون خطر الموت بسبب شح الطعام ومياه الشرب والدواء.

دعك من الصومال التي نسي كثيرون وجوده من الأصل أو نسوا أنه كان بلداً عربياً. هناك يعيش أكثر من 200 ألف طفل دون الخامسة في ظروف بائسة يواجهون الموت بسبب نقص الطعام أو انعدامه أحياناً وعدم وجود رعاية صحية من أي نوع.

قد يكون الحديث عن التعليم بعد ذلك نوعاً من الرفاهية. ولكنه الجانب الآخر المكمل لصورة المستقبل العربي الذي يجري اغتياله حالياً. تقول يونيسيف، إن أكثر من 13 مليون طفل عربي لا يلتحقون بالمدارس في مناطق الصراعات أي بنسبة 40% من أطفال تلك الدولة. وأن النسبة الكبرى توجد في سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان، حيث تعرضت المدارس للتدمير.
الوضع لخصه بيتر سلامة المدير الإقليمي للمنظمة في الشرق الأوسط بقوله: «ليست المدارس وحدها هي التي أصبحت أنقاضاً بل الأحلام أيضاً ومعها مستقبل جيل كامل من أطفال العرب».

عاصم عبد الخالق
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"