16 يوماً لحماية المرأة من العنف!

03:52 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أماني الطويل *

باعتباري امرأة تلقيت العديد من الدعوات لحضور فعاليات الاحتفال باليوم العالمي للعنف ضد المرأة، وهو الحدث الذي يتم الاحتفال به 16 يوماً كاملاً حول العالم اعتباراً من 25 نوفمبر من كل عام، بهدف نشر المعارف حول تكلفة العنف ضد المرأة على المستويين المعنوي والاجتماعي والاقتصادي.
دعوني أعترف لكم أنني قد تعلمت الكثير في إطار هذه الفعاليات، فأنا امرأة عربية لم أتعود أن أفصح، ولم أعرف أن كثيراً مما واجهته في حياتي هو عنف رغم معاناة تصل إلى حد الألم الموجع، بطبيعة الحال تأثرت بالمقولات والسياقات الاجتماعية التي لا تحبذ الإفصاح، وتستهجن الإعلان عن الممارس ضدنا، بل تعتقد أغلب النساء أن من تفصح ترتكب جرماً اجتماعياً قد يلحق بها العار، رغم أنها الضحية وليست الجاني.
وقد بدأ الانتباه العالمي لظاهرة العنف ضد النساء في التسعينات من القرن العشرين، وذلك في أوج قوة ظاهرة العولمة أو ما يطلق عليه النيوليبرالية الاقتصادية وعدم قدرة المجتمع المدني على مقاومتها، ذلك أن الاتجاه نحو التحولات، ومنها مرونة الأسواق والخصخصة، وصعود قدرات المؤسسات العالمية على حساب المؤسسات المحلية، وتراجع قدرات الدول في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية، للناس، كلها ضغوط وقعت وطأتها على الأفراد وأتاحت استعمال كافة وسائل الاستغلال للبشر، ومنها التحرش الجنسي كثمن لحفاظ النساء على العمل، وبطبيعة الحال يكون للصعود المهني أثمان مضاعفة. الخطاب العربي العام في أوطاننا تقليدياً يحبذ خطاباً مخادعاً عن المرأة، أنها «الدرة المصونة والجوهرة المكنونة»، ولكن مؤخراً أفسحنا مجالاً للاعتراف بالعنف ضد المرأة ولكن في السياقات السياسية، بينما ما زلنا نكابر من الاعتراف بوجود ممارسات عنيفة ضد المرأة في السياقات الأسرية والاجتماعية.
مثلاً الاغتصاب الذي جرى للأيزيديات العراقيات في إطار انتهاكات تنظيم «داعش» الإرهابي، والتحرش الجماعي الذي جرى ضد المتظاهرات خلال ما يسمى «الربيع العربي»، وأيضاً قوانين النظام العام في دول عربية تتيح استخدام العنف ضد النساء بسبب مظهرهن أو حركتهن الاجتماعية، رغم ما نعرفه عن السواد الأعظم من النساء العربيات لمراعاة التقاليد الاجتماعية.
هذا النوع من العنف السياسي ضد النساء تم الاعتراف به وتجريمه ليس باعتباره عنفاً ضد المرأة فقط، ولكن أيضاً من باب ممارسة القصاص المعنوي المستحق من فصيل الإسلام السياسي الذي قدّم تأويلات دينية ضد المرأة طوال العقود الخمسة الماضية، سواء في نخبته السلفية أو نسخته الإخوانية. وربما تكون تظاهرة السوريات في القامشلي (٢٥ نوفمبر) هي رسالة واضحة تستهجن كل أنواع العنف الذي جرى في سوريا، والذي تكون النساء أول من تدفع ثمنه.
المسكوت عنه في العنف ضد المرأة في بلادنا العربية كثير منه التحرش الجنسي في إطار العمل، والاغتصاب، وإذا كان لهذين النوعين من التحرش تكلفة اقتصادية باهظة، فضلاً عن تكلفتهما النفسية الباهظة أيضاً، فإن تعدد الزوجات السري لديه تكلفة معنوية ونفسية ليس فقط على النساء، ولكن أيضاً على الأطفال حتى سن الشباب وربما يكون ذلك غير معروف إلا لدى الأطباء النفسيين الذين يعالجون نساء وشباباً من آلام الخداع الأسري.
ولعل تقرير الأمم المتحدة الصادر عام ٢٠١٥ حول التكلفة الاقتصادية للعنف ضد النساء المصريات مثلاً، يرسم صورة إحصائية واضحة حول تداعيات ظاهرة العنف، ذلك أن مليون امرأة يهجرن بيوتهن سنوياً بسبب العنف الممارس ضدهن سواء من الزوج أو غيره، كما تبلغ تكلفة السكن البديل لهؤلاء ما يزيد على نصف مليار جنيه سنوياً.
ولعله من المفزع أن نعرف أن حوالي ثمانية ملايين امرأة مصرية يعانين العنف، سواء في النطاق الأسري أو نتيجة التحرش من الغرباء، فضلاً عن ٣ ملايين امرأة يعانين عاطفياً ونفسياً، نتيجة ممارسة العنف ضدهن من الزوج أو الخطيب. وقد سجلت تكلفة العنف الاقتصادية ما يزيد على ملياري جنيه عام ٢٠١٤ طبقاً لتقرير الأمم المتحدة، حيث قدّرت أنه في حالة استمرار نفس المعدلات من ممارسة العنف ضد النساء سنوياً، فإن التكلفة الاقتصادية سوف تسجل سنوياً ما يزيد على ٦ مليارات جنيه. كما تفقد الدولة نصف مليون يوم عمل للنساء المعنفات، و٢٠٠ ألف يوم عمل للأزواج الذين يمارسون عنفاً ضد النساء.
وبطبيعة الحال تبدو انعكاسات ممارسة العنف أيضاً على الأطفال في نطاق الأسرة، ذلك أن ٣٠٠ ألف طفل يعانون نفسياً وصحياً نتيجة العنف ضد أمهاتهم، وذلك عبر الأحلام المفزعة والكوابيس وعدم القدرة على التأقلم الاجتماعي مع النظراء، كما يتغيب أطفال ١١٣ ألف أسرة عن الدراسة بسبب عنف الزوج، وهو ما يعني فقدان ٩٠٠ ألف يوم دراسي سنوياً.
ورغم هذا الكم الهائل من العنف، فإن حوالي ٧٥٠ ألف امرأة فقط من المعنفات هن من يتقدمن بالشكاوى القانونية، كما أن ٧ آلاف منهن فقط من تحصل على الخدمات الاجتماعية من الدولة، وهو ما يعني في التحليل الأخير أن التقاليد والأعراف الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في حماية ممارسي العنف ضد النساء من عواقب أفعالهم، وأن المرأة العربية تعاني في صمت خوفاً من الإدانة الاجتماعية، بينما هي تملك في واقع الأمر المظلة القانونية التي أقرّتها الدولة لحماية النساء، وهو تحد يحاول حالياً المجتمع المدني العربي تجاوزه عبر أنشطة الستة عشر يوماً المقررة للاحتفال باليوم العالمي للعنف ضد المرأة، وعبر محاولة زيادة الوعي العام بالتكلفة الباهظة للعنف على المستويين المعنوي والاقتصادي. ولعل حملة المجلس القومي للمرأة في مصر «يعني إيه راجل» هي محاولة لتنقية مفاهيم الذكورة المتداولة حالياً نتيجة تراجع المحتوى التعليمي، والضغوط الاقتصادية، وذلك من سلبيات ممارسة العنف في نطاق الأسرة أو في نطاق العلاقة الزوجية، والرغبة في السيطرة على حركة النساء الاجتماعية. ويبقي مؤخراً أن مسؤولية النساء أنفسهن تبقى كبيرة في ضرورة الإفصاح والبوح عما يعانين عنفاً في كل السياقات الاجتماعية أو المهنية، لأن بهذا البوح وحده نستطيع إنقاذ أنفسنا.

* مركز الأهرام للدراسات رئيسة برنامج المرأة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"