«الطموة».. حادثة في ذاكرة النصف من شعبان

أغرقت فريج آل علي في رأس الخيمة
23:23 مساء
قراءة 4 دقائق
رأس الخيمة: حصة سيف
لا تزال حادثة «الطموة»، وطمر فريج آل علي، أحد فرجان مدينة رأس الخيمة القديمة المطلة على الخور، تحت الماء راسخة في أذهان من عاش في ستينات القرن الماضي. الحادثة تسبب بها فيضان البحر بجرف فريج آل علي بأكمله، ولم يصب أحد بأذى. مفردة «الطموة»، وهي تعني باللهجة المحلية فيضان البحر، يتناقلها الأجداد والآباء. والحادثة موثقة في كتاب «تراث من الإمارات»، الصادر عن جمعية ابن ماجد للفنون الشعبية والتجديف، وضم القصيدة الرثائية التي أنشدها الشاعر راشد السمن في هذا الوقت.

تتمثل طيبة الأهالي ونخوتهم آنذاك في قصة إحدى نساء فريج آل علي، عرف عنها مد يد العون للبعيد والقريب. كانت تستغفر الله تعالى إن طلب أحد منها قرضاً، وتعطيه بوجه طلق ما طلبه من أموال بنفس راضية، معتبرة تلك العطايا واجباً عليها، إذ كانت لديها النعم الكثيرة، وعيّشت الفريج بأكمله. كما كانت النساء في تلك الفترة يتولين رعاية المنزل في ظل غياب الرجال في الدول المجاورة، أو رحلات صيد الأسماك واللؤلؤ. وعن تلك الحادثة، تقول عائشة محمد علي المزروعي، التي تعدى عمرها 65 عاماً، وكانت من فريج آل علي: كنت يتيمة الأم، وأنا ابنة ثلاث سنوات، أخذني والدي لتتم تربيتي مع أسرة صديقه عبيد راشد بن رابوي، واهتمت بي زوجته مريم بنت شاهين، رحمها الله، وكانت تتبنى أيضاً سبعة أيتام، وأنا كنت الثامنة، كما كانت تكسو الفقير، وتطعم الجائع، ولا ترد أحداً.
وتقول المزروعي: إن حادثة «الطموة» كانت في النصف من شعبان، وكان الجميع في ذلك الوقت يتصدق، ويقسم جراب التمر لقسمين، كما توزع الملابس، ومن ثم يجمع الأطفال الحلوى والمكسرات من الأسر، ويمرون على المنازل وهم يحملون أكياساً أغلبها من الخيش، أو القماش، لملئها بالمسكرات والحلويات. وتواصل: فجأة اضطرب البحر مساءً حين كنا نستعد للنوم، ولم ننتبه إلا على صرخات أطلقتها النساء، وفزعت إحدى الجارات تسمى علياء ل«حلالها» من البقر وأطلقت سراحها من الحظيرة، لتتمكن من الهروب من الفيضان، وكانت تلك الجارة تحب «حلالها» كأولادها تماماً، وتخاف عليها، وتعتبرها أمانة لابد من الحفاظ عليها، وعلى أرواحها، وفزعنا بأنفسنا حيث اليابسة بعد أن غمرت مياه البحر جميع خيمنا ومنازلنا، وتجمع أغلب النساء في منزل «المفتول» مسؤول القبيلة آنذاك، وكنت حينها حاملاً في الشهر الخامس، وأسكن في خيمة، وكدت أسقط في الفيضان إلا أن أحد الجيران انتشلني وساعدني على النهوض، وأوصلني لمنزله حيث اعتنت بي زوجته، وألبستني من ثيابها، وبت ليلتها معها، وبات صاحب المنزل خارجه، وانطلقت فجراً بعد أن هدأت الأمور لخيمتي ولم أجد غير ثوبي المعلق داخل الخيمة.وكان زوجي يعمل في الكويت كأغلبية الشباب في تلك الفترة.
وطالت «الطموة» فريج آل علي من مسجد علي بن مفتول إلى بيت حصة بنت النوخذة، وفي اليوم التالي أمر المغفور له الشيخ صقر بن محمد القاسمي، حاكم رأس الخيمة آنذاك، بانتقال الأهالي من الفريج، ووفر الخيام، ووجه ببناء منازل. تقول المزروعي: ترك لنا، رحمه الله، حرية الانتقال إلى الفرجان المجاورة، فانتقل البعض إلى فريج سدروه، والبعض الآخر إلى المعيريض، المقابلة للخور.
ناصر حسن الكاس آل علي، رئيس جمعية ابن ماجد للفنون الشعبية والتجديف، قال عن حادثة «الطموة»: تسببت بغرق فريج آل علي في مدينة رأس الخيمة القديمة، التي كانت تتكون من خمسة فرجان هي آل علي، وبو يديع، والميان، وبرع، والمحارة. وغمر الطوفان أكثر من 100 منزل، البعض منها صنع من سعف النخيل، والآخر من الحصى والمدر، وعدد من الخيام، وبقى جزء من الفريج مغموراً بمياه البحر، وبقى الجزء الآخر، وكان ذلك في عام 1957. ويضيف الكاس: كان ذلك اليوم يصادف النصف من شعبان، لأنني ما زلت أتذكر أكياس حق الليلة التي «مزرتها»، أي ملأتها، ومعي أختي الكبرى وأخي الأصغر بالحلويات، إلا أننا لم نهنأ بها حيث أخذها البحر مع بقية أغراض المنزل، وكانت والدتي تقرأ القرآن، فهي ابنة الإمام إبراهيم محمد القندي، ولم نسمع غير صراخ إحدى النساء التي لاحظت ارتفاع موجات البحر، وغمرها للمنازل القريبة منه، ساعتها ركبنا «الشاحوف» الذي كان ملاصقاً للمنزل، وتم حمل الأهالي، النساء والأغراض وما خف حمله من الأغراض بالمراكب إلى المنازل المرتفعة التي لم تدخلها مياه البحر، وتوزع أهل الفريج الذي يقع على هيئة لسان، حيث يحيط بموقعه الجغرافي البحر العود من اليسار، ويسمى «الظهر»، والبحر الصغير « بحر الخور" من اليمين، على المنازل المرتفعة مثل منزل عيسى المفتول، وهو رئيس قبيلة آل علي آنذاك. وانتهينا من الاطمئنان على الجميع حيث كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحاً، فيما كانت حادثة الطموة بدأت بعد صلاة العشاء مباشرة.
وصلى سيف البلي آل علي الفجر مع الشيخ صقر بن محمد القاسمي وأخبره بالحادثة، حيث لا توجد قنوات اتصال في تلك الفترة غير بالزيارات المباشرة، وزار الشيخ صقر المنطقة مباشرة، واطمأن على الأهالي، ونصحهم بمغادرة المنطقة، وترك لهم حرية الاختيار لأي من المناطق القريبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"