قمة الدول الصناعية.. لا لغة جامعة

05:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فايز فرحات


عقدت مجموعة السبع الصناعية قمتها الثالثة والأربعين خلال الفترة (24- 26) أغسطس/آب الجاري في ظل ظروف شديدة التعقيد، سواء على مستوى العلاقات الأوروبية- الأوروبية، أو العلاقات الأوروبية- الأمريكية، أو لجهة وجود عدد من الأزمات الدولية والإقليمية، التي سيكون لها انعكاساتها على مستقبل المجموعة خلال السنوات القادمة، إلى حد إمكانية طرح سؤال هل تختفي المجموعة قريباً؟
على الرغم من الدافع الاقتصادي وراء ظهور مجموعة السبع الصناعية في منتصف سبعينات القرن الماضي؛ لكن الدوافع والأهداف السياسية والاستراتيجية ظلت حاضرة بقوة. وقد تأكد هذا الدافع؛ من خلال الدور المهم، الذي لعبته المجموعة في إدارة قضايا الأمن العالمي والأزمات الإقليمية، خاصة خلال فترة الحرب الباردة، إضافة إلى التنسيق بين المواقف السياسية لدول المجموعة. بشكل عام، لقد عملت المجموعة - إلى جانب آليات مؤسسية أخرى؛ كصندوق النقد والبنك الدوليين، ومجلس الأمن وغيرها من الاتفاقات والمعاهدات الدولية- كآلية؛ لضمان هيمنة المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة على السياسات العالمية، وفرض القواعد والأنظمة الغربية على هذه التفاعلات. بمعنى آخر، سعت المجموعة -بالتعاون مع آليات أخرى- إلى فرض «المحكومية» governance الغربية في المجالات الاقتصادية والمالية والأمنية، وهي مسألة تقع في قلب المحافظة على الهيمنة الغربية.

تحولات دولية

وقد ساعد المجموعة على القيام بهذا الدور بفاعلية عوامل عديدة؛ أبرزها: الحرب الباردة؛ ووضوح التحدي الذي مثله الاتحاد السوفييتي خلال هذه المرحلة، ما أدى بدوره إلى وجود درجة كبيرة من التوافق بين دول المجموعة حول معظم قضايا الأمن العالمي؛ لكن تحولات عدة برزت خلال العقد الأخير؛ ساهمت في إضعاف مستوى هذا التوافق؛ بل وتطور إلى خلافات عميقة بين دول المجموعة. كما ارتبط التحول في نمط توزيع القدرات الاقتصادية والعسكرية على المستوى العالمي، وصعود قوى دولية جديدة، بتطور مصالح اقتصادية جديدة في سياق العلاقة مع هذه القوى، ومن ثم تباين مواقف دول المجموعة بشأن الاستراتيجية الأمثل للتعامل معها.
في هذا السياق، يمكن رصد مجموعة من التحديات السياسية المهمة التي باتت تواجه مجموعة السبع الصناعية، والتي ستلقي بتأثيراتها وتداعياتها على مستقبلها. أول تلك التحديات يتعلق بضعف التماسك الأوروبي ذاته (هناك أربع دول أوروبية أعضاء بالمجموعة؛ هي: المملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا). وقد تراجع هذا التماسك بفعل مجموعة من العوامل؛ أبرزها: عزم المملكة المتحدة على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وما تبعه من تطور أزمة بين الطرفين حول طريقة الخروج وتبعاته، فيما بات يعرف بأزمة «بريكست». هذه الأزمة سيكون لها تداعياتها الاستراتيجية الضخمة على تجربة الاتحاد الأوروبي ذاتها، خاصة في حالة اتجاه المملكة المتحدة إلى بناء علاقات أقوى مع الولايات المتحدة على حساب علاقاتها الأوروبية . في هذه الحالة سوف تمثل تجربة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي نموذجاً قابلاً للمحاكاة من جانب أطراف أوروبية أخرى، بشكل قد يؤثر في بقاء الاتحاد ذاته.

التعامل مع الاتفاق النووي

ولا تقتصر الخلافات الأوروبية- الأوروبية على مسألة مستقبل الاتحاد والعلاقة مع المملكة المتحدة؛ إذ هناك قائمة واسعة من الخلافات المتعلقة بطريقة التعامل مع أزمات دولية وإقليمية مهمة. من ذلك على سبيل المثال، الخلاف العميق الذي نشأ حول طريقة التعامل مع بعض تداعيات الأزمة الإيرانية- الأمريكية؛ مثل طريقة حماية أمن وحرية الملاحة في مضيق هرمز، وهو ما تجسّد في الخلاف حول المشاركة في المشروع الأمريكي؛ لتشكيل قوة بحرية دولية؛ لحماية المضيق؛ وذلك على الرغم من التوافق القائم بين القوى الأوروبية حول أهمية المحافظة على الاتفاق النووي الإيراني.
التحدي الثاني، يتعلق بالخلافات الأوروبية- الأمريكية حول مجموعة من القضايا المهمة. ونشير هنا إلى ثلاث قضايا أساسية. الأولى، تتعلق بالخلاف المباشر بين الجانبين حول طريقة التعامل مع إيران والاتفاق النووي، فبينما ترى القوى الأوروبية ضرورة المحافظة على هذا الاتفاق ورفض استخدام القوة العسكرية، ما تزال الولايات المتحدة متمسكة بضرورة إعادة التفاوض؛ للوصول إلى اتفاق جديد. بعض القراءات للمواقف الأمريكية والأوروبية ترى في هذا التباين الظاهر نوعاً من تقسيم وتوزيع الأدوار، وأن القوى الأوروبية ستتماهى في نهاية المطاف مع الموقف الأمريكي، ودعم أي خيار أمريكي، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، لكن هذه القراءة لا تخلو من مبالغة.
القضية الثانية، تتعلق باحتمالات بدء حرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا نفسها، في ظل تصاعد الحديث عن احتمالات قيام الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على بضائع فرنسية. وقد أشار رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، في مؤتمر صحفي عقده خلال اليوم الأول للقمة، إلى أن الاتحاد الأوروبي سيرد بالمثل في حال قررت إدارة ترامب فرض هذه الرسوم. لا شك أن انتقال العلاقات الأمريكية- الأوروبية إلى هذا المستوى سيمثل ضربة قوية لفكرة تماسك المجموعة، وسيعمق الشكوك القائمة حول مدى قناعة الإدارة الأمريكية الحالية بفكرة الشراكة عبر الأطلسي، وتعمدها إضعاف الاتحاد الأوروبي؛ من خلال تشجيع المملكة المتحدة على الخروج (وعد ترامب رئيس الوزراء البريطاني جونسون أثناء القمة بتوقيع اتفاق تجاري كبير بعد الخروج من الاتحاد، واصفاً المملكة المتحدة بعد البريكست بأنها «سوف تتخلص من مرساة معلقة في كاحلها»).

أوروبا والصين

القضية الثالثة، تتعلق بالخلاف حول العلاقة مع الصين، التي وصلت العلاقات الأمريكية معها إلى مستوى متقدم من الصراع، على المستويين التجاري والاستراتيجي. فعلى العكس من الموقف الصدامي الأمريكي، تتشكل في المقابل مصالح أوروبية- صينية مشتركة.
وعلى العكس من الرؤية الأمريكية التي ترى في الصين تهديداً استراتيجياً، ترى فيها القوى الأوروبية شريكاً مهماً. هذا الموقف الأوروبي من الصين تجسد في المشاركة الأوروبية المكثفة في مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ بل ورفض القوى الأوروبية الانصياع للضغوط الأمريكية المطالبة بعدم الانضمام إلى «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» AIIB الذي تتمتع فيه الصين بوضع موازٍ للوضع الأمريكي داخل صندوق النقد والبنك الدوليين.
الجدل حول مستقبل مجموعة الدول الصناعية السبع لم يعد سؤالاً بحثياً مطروحاً من جانب الباحثين والمعنيين بالنظام العالمي والمجموعات الدولية؛ لكنه أصبح قلقاً أوروبياً. وقد عبّر عن هذا القلق رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الذي وصف القمة الأخيرة للمجموعة بأنها تشكل اختباراً كبيراً للتضامن والوحدة بين الدول المشاركة، وأعاد «توسك» -خلال مؤتمره الصحفي - التذكير بالصعوبات التي برزت خلال قمة 2018 لإيجاد «لغة جامعة» بين الأطراف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"