عادي

عذب الكلام

22:17 مساء
قراءة 3 دقائق
1602

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغَتنا العربيّةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومُفرداتٍ عذبةٍ تخاطبُ العقل والوجدان، لتمتعَ القارئَ والمستمعَ، تحرّكُ الخيالَ لتحلّق به في سماء الفكر المفتوحة على فضاءاتٍ مرصّعةٍ بدرر الفكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، ننشرُ زاويةً أسبوعيةً جديدة تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضادِ السّاحرة.

في رحاب أمّ اللّغات

التّشبيهُ التّمْثيلي: ما كانَ وَجْهُ الشّبهِ فيهِ وَصْفاً منتزعاً من متعدّد، حِسّيّاً كانَ أو غَيْرَ حِسّيّ، كقولِ لَبيدِ بنِ ربيعة:

وما المالُ وَالأَهلونَ إِلّا وَديعَةٌ

وَلا بُدَّ يَوْماً أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ

وقولِ أبي تمّام:

وَطولُ مُقامِ المَرءِ في الحَيِّ مُخْلِقٌ

لِديباجَتَيْهِ فَاِغْتَرِبْ تَتَجَدَّدِ

فَإِنّي رَأَيتُ الشَّمسَ زيدَتْ مَحَبَّةً

إِلى النّاسِ أَنْ لَيْسَتْ عَلَيهِم بِسَرمَدِ

(الدّيباجتان: الخَدّان. والسَّرْمد: الدّائم).

دُررُ النّظم والنّثْر

من كتاب «نسيم الصبا» لابن حبيب الحلبي:

«أخبَرَني بعضُ الإخوانِ، أنّه رأى بَلْدةً مِنَ البُلْدانِ، مُتَّسِعَةَ الفِناء، مُحْكمَةَ البِناء، تَروقُ العُيون، وتُحَرّكُ السُّكون، بالْقُرْبِ مِنْها وادٍ خَصيب، يَشْتَمِلُ مِنَ الأطْيارِ على كُلّ غَريب، مَديدِ الأشْجار، مُنْسَرِحِ الأنْهار، وافِرِ الخَيْر، يُعْرفُ بِوكْرِ الطّيْر. فتُقْتُ إلى رؤيةِ ذلك الوادي، وحَدا بي منَ الشّوْقِ إلَيْهِ حَادي، فَسِرْتُ أطْوي البيد، وأَصِلُ التّحْليجَ بالتّخْويد، إلى أنْ أتَيْتُ إلَيْه، وأَنَخْتُ راحِلتي عَلَيْه. فعايَنْتُ منه ما حَقّقَ مَطالبي، ووجَدْتُ بِهِ ما صاحَ، فمِنْ صَقْرٍ شَريفِ النّجار، رَفيعِ الْمِقْدار. القَمَرُ مَنْظَرُه، والهِلالُ مَنْسَرُه. لهُ ثَوْبٌ أرْقَط، بَياضُهُ بالسّوادِ مُنْقَط، حَسَنُ السُّلوك، لا يَصْحَبُ إلّا الملوك. ومِنْ بازٍ أشْهَب، جَمْرُ مُقْلَتَيْه يَتَلَهَّب. خَفيفُ الجَناح، سَريعُ النَّجاح. يَلْمَعُ في الجَوّ كالبارق، ويَنْقَضُّ انْقِضاضِ الطّارق.ومِنْ باشِقٍ فَرْعُهُ معَ صِغرِ حَجْمِهِ باسِق، شاكي السّلاح، مُحمودُ الغُدُوّ والرّواح.

ومِنْ بَبْغاءَ جَميلِ الصّفاتِ، قويٍّ على حِكايةِ الأصْوات. فَهْمُهُ صَحيح، ولِسانُهُ فَصيح. هِنْديُّ الأوطان، زَبَرْجَديُّ الأرْدانْ. طَرْفُهُ مُركَّبٌ مِنْ قَار، ولَهُ مِنَ الياقوتِ مِنْقار. ومِنْ هُدْهُدٍ وافِرِ الهِداية، نافِرٍ عَنِ الضّلالَةِ والغِواية. يميدُ في حُللهِ الفاخِرةِ ويَميس، كأنّما ألبسهُ سليمانُ تاجَ بِلقيس.

فيا لله مِنْ وادٍ أنْبَتَ السّرور، وحَوى أصْنافاً جَمّةً مِنَ الطّيور. فَسُبْحانَ المُتَكَفّلِ بأرْزاقها، الُمباِينِ بَيْن طباعِها وأخْلاقِها.

من أسرار العربية

في تَفْصِيلِ ضُرُوبِ مَشْيِ الإنْسَان وَعَدْوِهِ:

الدَّرَجَانُ: مِشْيةُ الصَّبيِّ الصَّغيرِ. الحَبْوُ: للرَّضِيعِ. الحَجَلانُ والرَّدَيَانُ: أنْ يَرْفَعَ الغُلامُ رِجْلاً ويمْشِيَ عَلَى أخْرَى. الخَطَرَانُ: للشَابِّ بنَشَاطٍ. الدَّلِيفُ: للشَّيْخِ رُويداً وَمُقَارَبَتُهُ الخَطْوَ. الهَدَجَانُ: للْمُثَقَّلِ. الرَّسَفَانُ: للمُقَيَّدِ. الدَّأَلانُ: للنَّشِيطِ، وبالذال مُعْجَمَةً مِشْيَةٌ خَفِيفَةٌ (وَمِنْهَا يُسَمَّى الذِّئْبُ بالذُّؤالَةِ). الوَكَبَانُ: مِشْيَةٌ في دَرَجَانٍ، وَمِنْهُ اشْتُقَّ المَوْكِبُ. الاخْتِيَالُ والتَّبَخْتُرُ: للرَّجُلِ المُتَكَبِّرِ والمَرْأَةِ المُعْجَبَةِ بِجَمَالِهَا. القَهْقَرَى: للرَّاجِعِ إلى خَلْفُ. القَزَلُ: للأعْرَجِ. التَّخَلُّج: للمَجْنُونِ في تَمَايُلِهِ. الإِهْطَاعُ: للمُسْرع الخَائِفِ. الهَرْوَلَةُ: بَيْنَ المَشْي وَالعَدْوِ. التَّهَادِي: للشَّيْخِ الضَّعِيفِ، والصَّبِيِّ الصَّغِيرِ، والمَرِيضِ والمَرْأَةِ السَّمِينَةِ. الرّمَلُ والرَّمَلانُ: كالهَرْوَلَةِ. الإهْرَاعُ: الإِسْرَاعُ في المَشْيِ. الأتَلاَنُ: مُقاربَةُ الخَطْوِ في غَضَبِ، والقَطْوُ: مُقاربتُهُ في نَشَاطٍ. الإحْصَافُ: العَدْوُ فِي تَقَارُب. الإحْصَاَبُ: إثارة الحَصْبَاءَ في العَدْوِ.

هفوةٌ وتصويبٌ

ترد كثيراً مثل هذه العبارة: «وكانَ الجَميعُ مُتَواجَدين في مكانِ كذا»، وهي خطأ، والصواب:«كان الجَميعُ مَوْجودينَ، أو حاضرينَ». لأنّ التّواجُد مِنَ الوَجْد، وهو ما يَجدُهُ المَرْءُ في قلبِهِ منْ حُبّ أو غضب؛ نَقول وَجَدَ بفلانةٍ أي أحبّها، ووَجَدَ على فلانٍ، أي غَضب. والوُجْدُ والوَجْدُ والوِجْدُ: اليسار والسَّعةُ؛ قال صخر الغيّ:

كِلانا رَدَّ صاحِبَه بِيَأْسٍ

وتَأْنِيبٍ، ووِجْدانٍ شَديدِ

ويقولُ بعضُهم: «قرأتُ قصصَ ورواياتِ الأديب فلان»، والصوابُ:»قرأتُ قصصَ الأديبِ» ورواياتِه. لأنّ القاعدةَ، هي الفصلُ بينَ المُضاف والمُضاف إليه.

من أمثال العرب

قَلْبي إلى ما ضرَّني داعِي

يُكْثِرُ أَحْزَاني وأَوْجاعي

كيْفَ احْتِراسي مِنْ عَدوِّي إذا

كان عدوّي بَين أَضْلاعِي

البيتان للعبّاس بنِ الأحنف، يتألّمُ فيهما منْ أنْ ما يُؤرقهُ ويَضرُّ عَيْشَهُ، أنّ الألَمَ والإزْعاجَ يأتْيان منْ أقْربِ النّاسِ إلَيْه؛ فَلَوْ كان سبَبَهما عدوٌّ بَعيد، لتمكّنَ مِنْ مُقارَعَتِهِ وهَزْمِهِ، لكنْ ماذا يَفْعَلُ والمصدر قريبٌ جداً؟؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"