شجون الديمقراطية ومشاجبها

12:42 مساء
قراءة دقيقتين

ما قالته وانغاري ماثاي الأكاديمية الفائزة بجائزة نوبل للسلام قبل أربعة أعوام لا يخص كينيا فقط، رغم أنها جعلت من التجربة الكينية مجالاً تطبيقياً، إنه يصح على القارات الثلاث التي لم يقر لها قرار بعد، والوصفة السحرية حول تداول السلطة والانتخابات الشفافة لا تزال عصية على الصرف، فالمسألة تربوية في الأساس، والطبقات السياسية التي تطفو على مستنقعات التخلف خصوصاً في إفريقيا لعبت دور البطولة في ابقاء أوضاع القارة على ما هي عليه، واذا كان هناك سادة فقر ومنتجو تخلف، فبالمقابل يوجد وسطاء وسماسرة ومتعهدون يتولون بث فيروسات التخلف لأن مصالحهم الآنية والعاجلة تتطلب ذلك، لهذا لم تتردد ماثاي في طرح رؤية غير متفائلة حول السلام في المدى المنظور على الأقل، لأن السلام ليس طقساً إعلامياً أو عطلة بين حربين أهليتين، إنه حصيلة تراكم من التفاهمات والاحتكام الى منظومة من القيم والمفاهيم، وما يقال عن تداول السلطة سلمياً، غالباً ما يأتي منقطعاً عن سياقه التاريخي والحضاري الأصيل، لأن مثل هذا التداول لا يتم لمجرد ان هناك رغبة في ذلك، بل لأن مجمل التربويات والحراك الاجتماعي المدني يمليه، ويفرض على كل الاطراف التأقلم معه بمرور الوقت وتراكم التجارب والخبرات.

إن كينيا هي مجرد مثال رغم قسوته، واندفاعه الى التوحش، أما الأمثولة فهي ليست إفريقية أو آسيوية أو لاتينية، إنها في ذلك القاسم المشترك الأعظم بين شعوب لا تزال تلثغ بالديمقراطية، ويعاني استقلالها الوطني وسيادتها من ثقوب يتسلل منها المستعمر القديم، أو ورثته الجدد الذين لا يعبأون بالديمقراطية إن لم تكن حسب قياساتهم، وتبعاً لما يرونه مناسباً لترسيخ استحقاقاتهم!

ولو كان هناك واحد في الألف من الدراسات الاجتماعية والنفسية الجادة حول الديمقراطية وجذورها مقابل ما يبث على مدار الساعة من توصيفات سطحية وذات صلاحية لا تدوم اكثر من يوم واحد لتغير المشهد في العالم كله وليس في إفريقيا وآسيا فقط!

لكن ثقافة الجانكي فود والاختزال المخل تعنى بالناتىء من جبال الجليد على سطح المحيط ولا تكلف نفسها الذهاب بعيداً للكشف عن المستور والمسكوت عنه!

والشعوب التي تدفع الثمن مضاعفاً، اضافة الى التورط في مديونيات باهظة هي تلك التي تتحول قضاياها الى إشكاليات معلقة، ومؤجلة، بحيث تفضل فيها سياسة الأبواب المواربة بعكس شعوب أخرى تؤمن بأن ألم ساعة أفضل من آلام تدوم على امتداد العمر، وهذه الشعوب لا تلجأ الى الكي فقط باعتباره العلاج الأخير الناجع، إنها احياناً تجري لنفسها جراحات قاسية دفاعاً عما تبقى فيها من عافية.

ما قالته الدكتورة ماثاي هو في الصميم من الواقع الإفريقي، وإلى حد ما الآسيوي، لكن العواصف والأعاصير السياسية في هذه المناطق الساخنة والمتوترة من العالم لا تعبأ بالرغائب والأمنيات، وأحياناً يكون الطريق الى الجحيم معبداً بمثل تلك الرغائب والنوايا الحسنة!

إن الشجن الديمقراطي الذي تحول الى مشجب ينوء بما يعلق عليه، بحاجة الى ما هو أبعد من التوصيف، فالمسألة تربوية وثقافية وذات جذور نفسية قبل ان تكون مجرد مزاج سياسي او رياح موسمية!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"