انقلاب يميني «ديمقراطي» في البرازيل

03:20 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. صدفة محمد محمود *

في الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اختار البرازيليون مرشح اليمين المتطرف جايير بولسونارو، لرئاسة البرازيل، ليكون بذلك أول مرشح من تيار اليمين الشعبوي يصل للسلطة في أكبر دولة في أمريكا اللاتينية، منذ تحولها للنظام الديمقراطي عام 1985.
ولمثل هذا الاختيار دلالات مهمة، بعضها ينبع من عمق التغيرات التي كشف عنها هذا الاختيار، وينبع البعض الآخر من ضخامة التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب.

أولاً: دلالات صعود اليمين المتطرف في البرازيل

لفوز مرشح اليمين المتطرف برئاسة البرازيل، عدد من الدلالات المهمة التي تعد كاشفة عن عمق التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البرازيل، على مدار السنوات الماضية والتي كان لها التأثير الأبرز في اختيار الناخبين لبولسونارو، وذلك على النحو التالي:

1 تراجع الثقة في الديمقراطية

كشف استطلاع للرأي قام بإجرائه الاتحاد الوطني للصناعة، ببرازيليا عام 2017، حول أهم المشكلات التي تواجه البرازيل، أن مشكلة البطالة تأتي في مقدمة تلك المشكلات، وذلك بنسبة 56 بالمئة، يليها الفساد بنسبة 55 بالمئة، وجاء ضعف جودة خدمات الرعاية الصحية في المرتبة الثالثة بنسبة 47 بالمئة، وتلته مشكلة انتشار العنف وتردي الأوضاع الأمنية بنسبة 38 بالمئة. وقد أدى تفاقم مشكلة الفساد وتدهور الوضع الاقتصادي، إلى تقويض مصداقية المؤسسات الديمقراطية، وتراجع دعم البرازيليين للديمقراطية، باعتبارها أفضل نظام للحكم، إلى 14 بالمئة عام 2017، كما لا يمانع 55 بالمئة من البرازيليين، في وجود حكومة «غير ديمقراطية»، ما دامت «تحل المشاكل»، وذلك وفقاً لمسح أجرته مؤسسة Latinobarometro.

2 تراجع الثقة في المؤسسات السياسية

كشف استطلاع للرأي أجرته جامعة ساو باولو للقانون عام 2017، عن أن الجيش والكنيسة الكاثوليكية هما أكثر مؤسستين حظيتا بثقة المواطنين، وذلك بنسبة 56 بالمئة، و53 بالمئة على التوالي. كما يثق 18 بالمئة في الكونجرس، بينما كانت الحكومة الفيدرالية والأحزاب السياسية أقل مؤسستين حظيتا بثقة المواطنين، وذلك بنسبة 6 بالمئة، و7 بالمئة على التوالي.
ويأتي التراجع في ثقة المواطنين بالحكومة والمؤسسات السياسية نتيجة طبيعية للكشف عن وجود شبكة ممنهجة للتواطؤ بين مئات الشخصيات الفاسدة داخل الحكومة، والأحزاب السياسية والشركات الخاصة والعامة، في فضيحة الفساد الضخمة التي تم الكشف عنها عام 2014، مما جعلهم يواجهون أزمة أخلاقية حقيقية، وهو ما أسهم في خيبة أمل المواطنين في السياسة والسياسيين.

3 تفكك المعارضة وضعف تيار اليسار

في مقابل ظهور اليمين المتطرف كقوة سياسية صاعدة، تراجعت شعبية الأحزاب السياسية التقليدية بدرجة كبيرة. ويأتي ذلك نتيجة فضائح الفساد التي طالت جميع الأحزاب السياسية تقريباً، فضلاً عن فشل أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها حزب العمال في توحيد القوى الديمقراطية، وحشد التأييد لمرشح الحزب فرناندو حداد. ومن المتوقع أن تتضرر العديد من الأحزاب اليمينية، التي قام أعضاؤها بالانضمام إلى الحزب الاجتماعي الليبرالي، الذي يمثله الرئيس المنتخب.

4 تنامي الاعتماد على شبكات التواصل الاجتماعي

عمد بولسونارو في حملته الانتخابية على الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، وعمل على توظيفها للوصول إلى أكثر من 120 مليون برازيلي يستخدمون خدمة «الواتس أب»، و86 مليون مستخدم ل«فيسبوك»، غالبيتهم من الشباب، ما جعل وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مهمة لإدارة المعركة الانتخابية، حيث تم توجيه مئات، بل آلاف الرسائل النصية والصوتية والمرئية إلى المستخدمين، وتبادل المرشحون الاتهامات فيما بينهم، باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في إرسال النصوص الدعائية المضللة، ومقاطع الفيديو التي تستهدف تضليل الناخبين، وتشويه صورة المنافس.

5 تزايد دور الجيش في الحياة السياسية

بالرغم من تراجع الجيش إلى الثكنات في الثمانينات، فقد ازداد الحنين للنظام العسكري، ولاستعادة الجيش لدوره في الحياة العامة خلال السنوات الماضية. وذلك نتيجة التدهور الكبير في الأوضاع الأمنية، مع ارتفاع معدلات الجريمة والعنف والقتل، وتقلص ميزانيات الأمن العام إلى حد كبير.
ومع التدهور الكبير في الوضع الأمني، نزل الجيش في كثير من الأحيان للشارع لاستعادة الاستقرار في بعض المدن، كما تدخل لإعادة النظام للسجون التي شهدت أعمال عنف شديدة، من قبل عصابات الجريمة المنظمة.
وفي هذا الإطار، كانت هناك تصريحات متكررة من قبل بولسونارو، بإمكانية دعوة الجيش للتدخل لإغلاق المحكمة العليا والكونجرس، إذا لم يتم الإعلان عن فوزه بالرئاسة، فضلاً عن إعلانه أن معظم الوزراء في حكومته سيكونون من الجنرالات السابقين، كما وعد بزيادة دور القوات المسلحة في حفظ الأمن الداخلي.

ثانياً: التحديات التي تواجه جايير بولسونارو

أسهم سوء الإدارة الاقتصادية والفساد على نطاق واسع في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث تراجع معدل النمو الاقتصادي بحوالي 7 بالمئة، وبلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 13 مليون شخص. وهناك مخاوف من قيام بولسونارو بتقليص الدعم الحكومي لبرامج الرعاية الاجتماعية، خاصة إصلاح نظام التقاعد، في إطار خطته لتقليص عجز الميزانية.
ومن المؤشرات المهمة في هذا الشأن، أن حزب بولسونارو (الحزب الاجتماعي الليبرالي) نجح في الفوز بحوالي 52 مقعداً في مجلس النواب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليكون ثاني أكبر قوة داخل المجلس بعد حزب العمال (56 مقعداً).
ومثل هذا الانقسام داخل مجلس النواب، سيجعل هناك صعوبة في إصدار أي تشريع، كما أن سيطرة حزب العمال على الحصة الأكبر من المقاعد داخل الكونجرس، تجعل الحزب في وضع جيد لمنع بولسونارو من تنفيذ برنامجه.

الحفاظ على بقاء النظام الديمقراطي

من الواضح أن خطاب الرئيس المنتخب لا يفسح المجال للتفاؤل بشأن مستقبل الديمقراطية، فخلال عضويته في الكونجرس، كان بولسونارو معروفاً بدفاعه عن الديكتاتورية العسكرية، وتشكيكه في المبادئ الديمقراطية. كما هدد خلال حملته الانتخابية بالتخلص من معارضيه، وذلك بالسجن أو النفي، وقاد حملة مناهضة للنساء والمهاجرين، والأقليات. وبالرغم من أن مستقبل البرازيل السياسي يبدو شديد القتامة، فإنها لا تزال تتمتع بسلطة قضائية مستقلة، لعبت دوراً محورياً في جهود مكافحة الفساد، كما تتمتع الصحافة بدرجة كبيرة من حرية التعبير والاستقلالية، فضلاً عن وجود مجتمع مدني قوي ومتنوع.

إدارة العلاقات الخارجية للبرازيل

يواجه بولسونارو تحدياً مهماً يتعلق بالقدرة على إعادة صياغة العلاقات الخارجية للبرازيل، في ظل تعهداته بإلغاء أو إعادة التفاوض على المعاهدات التجارية، بما في ذلك السوق المشتركة لأمريكا الجنوبية (ميركوسور)، ما سيؤثر بشكل كبير على العلاقات مع جيرانه من دول القارة، كما أنه أثار غضب الصين بزيارة تايوان، التي تعتبرها بكين جزءاً لا يتجزأ منها، مما ينذر بحدوث توتر في العلاقات مع الشريك التجاري الأول للبرازيل، فضلاً عن أن تهديده بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، يضر بالدور القيادي للبرازيل عالمياً في مجال مواجهة التغيرات المناخية.

* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"