الاحتلال يطرد «أونروا» من القدس.. لماذا؟

02:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

لم يخفِ الاحتلال «الإسرائيلي» للقدس العربية أهدافه أبداً، وعمد إلى محاولة تحقيقها في كل أوان وحين ولو بطرق تدريجية. وحالما أفلح في احتلال كامل المدينة في العام 1967 إثر احتلاله لباقي أرض فلسطين وأراضٍ عربية أخرى سارع إلى إعلان ضمه للقدس وفرض سيادته عليها. ولم تمنعه القرارات الدولية، التي ظلت تعتبر القدس أرضاً محتلة، وأن إجراءاته غير شرعيه، من مواصلة العمل على تهويد المدينة بمصادرة الأراضي والبيوت فيها، وإنشاء المستوطنات داخلها وبين أحيائها.
كلما أفلح الاحتلال في إنجاز خطوة على طريق تحقيق هدفه شدد العزم على تحقيق ما يليها؛ لفرض مزيد من الوقائع على الأرض. وكان آخر هذه القرارات السعي لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس، وإزالة معالم وجودها الصحي والتعليمي هناك.
وجاء الاعتراف الأمريكي برئاسة دونالد ترامب بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»؛ ليزيد من أوار عمليات تهويد القدس، ليس فقط عبر خطوات استيطانية، وإنما كذلك عبر خطوات دينية واجتماعية وثقافية. واشتدت جهود سلطات الاحتلال، خصوصاً بعد سيطرة اليمين القومي والديني على الحلبة السياسة عموماً، وعلى بلدية القدس خصوصاً. وتفاقمت حالات الاعتداء على الحرم القدسي، في محاولة لفرض الصلاة اليهودية فيه، وتقسيمه زمانياً بين المسلمين واليهود. وبعدها انتقلت الجهود الاحتلالية إلى خطوة أخرى تتمثل في إنهاء الأمل عند سكان المدينة بعودة السيطرة العربية عليها، والقبول بواقع تهويدها.
وكان في واجهة الخطوات المراد تنفيذها التضييق على سكان القدس وأحيائها؛ بقصد دفعهم إما إلى التماثل مع الإجراءات الاحتلالية وإما إلى مغادرة المدينة. ولا أدل على ذلك من هدم البيوت بحجة عدم توفر تراخيص لها، ووضع العقبات الكأداء أمام الحصول على تراخيص بناء جديدة، وجعل ذلك مهمة مستحيلة. وتتابعت أشكال التضييق على أهالي القدس، وازدادت إلى أن وصلت مؤخراً إلى الإعلان عن خطة إنهاء عمل الأونروا في حدود بلدية القدس الموسعة، باعتبارها «جهة أجنبية غير مرحب بها».
وكان رئيس بلدية القدس المحتلة، نير بركات في سياق تنافسه مع اليمين الأكثر تشدداً، قد أعلن في سبتمبر/ أيلول الفائت عن نيته طرد «الأونروا» من حدود المدينة المحتلة. وزعم حينها أن إزالة الأونروا ستقلص التحريض والإرهاب، وستحسّن الخدمات للسكان، وستزيد من «أسرلة» شرقي المدينة، وستسهم في السيادة «الإسرائيلية» وتكريس وحدة القدس.
وكشفت القناة الثانية في التلفزيون «الإسرائيلي» مؤخراً عن الخطة العملية لبلدية القدس لإنهاء عمل «الأونروا» في المدينة المقدسة، عبر سلب صلاحياتها، وإغلاق جميع مؤسساتها بما في ذلك المدارس والعيادات، ضمن ما أسمته «خطة العمل من أجل القضاء على مشكلة اللاجئين في المدينة». وجاء أن في مقدمة هذه الإجراءات سحب تعريف مخيم شعفاط كمخيم لاجئين، ومصادرة جميع الأراضي المقام عليها والتي تقع تحت إدارة الأونروا. وتسعى بلدية القدس، وفق ما نشر من الخطة، إلى نقل الخدمات والمؤسسات التي تقدمها «الأونروا»، إلى يد ما يصفونه ب«السيادة» أي إلى سلطة بلدية الاحتلال بالقدس. والمبرر المطروح هو أن «نهج أونروا تجاه السكان كلاجئين يمنع نموهم، ولم يعد ذا صلة، يجب وقف التعامل معهم كلاجئين، والنظر إليهم كسكان والعمل على إعادة تأهيلهم».!!
وتتعلق الخطة بمنشآت تعليمية وصحية واجتماعية يستفيد منها عشرات ألوف اللاجئين الفلسطينيين في القدس المحتلة ومحيطها. وحال إقرار الخطة بصورتها النهائية بعد مناقشتها في الكنيست ومجلس الأمن القومي والحكومة، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، ستصدر الأوامر من وزارة الصحة بإغلاق المؤسسات الصحية التابعة للوكالة، بما في ذلك المركز الطبي في مخيم شعفاط، الذي يقدم خدمات لعشرات النساء والأطفال، وخدمات للصحة النفسية والعناية بالأسنان، إضافة إلى عشرات المراكز الرياضية، ومركز خدمات للمرأة.
وتؤثر هذه الإجراءات بشكل مباشر في سبع مدارس تضم حوالي 1200 طالب في مدرستين للبنات وأخرى للبنين في مخيم شعفاط، وعلى 150 طالباً وطالبة في مدرسة الوكالة الابتدائية في وادي الجوز، إضافة إلى مدرسة الوكالة الابتدائية للبنات في سلوان التي تضم حوالي 100 طالبة، ومدرستي الوكالة الابتدائية والثانوية للبنات في صور باهر (350 طالبة).
ولم تخفِ وسائل الإعلام اليهودية أن المحرك الأساسي لهذه الخطة يتمثل في الموقف الأمريكي الذي اعترف بالقدس عاصمة للاحتلال، وأوقف دعمه المادي ل«الأونروا». ولم تتطرق لإشارات أمريكية سبق أن تحدثت عن استعدادها لنقل المعونة للفلسطينيين في القدس، عبر جهات غير «الأونروا» والسلطة الفلسطينية، ما يعني إمكانية تشجيعها لبلدية الاحتلال على خطوة الحلول مكان «الأونروا» في المدينة.
ومن الضروري الإشارة إلى أن الخطوة «الإسرائيلية» الجديدة سوف تصطدم بموقف دولي وعربي وفلسطيني رافض.
ولكن الاحتلال الذي يحظى بالدعم الأمريكي ويملك القوة المادية على الأرض لن يرتدع إلا إذا واجه فعلاً تمرداً فلسطينياً فعالاً في القدس والأراضي المحتلة، أو عقوبات دولية رادعة.
يذكر أن «الأونروا» لا تعمل في القدس وفي الأراضي المحتلة من تلقاء نفسها، وإنما بموجب قرار دولي وبروتوكولات موقعة مع الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، ومن بينها حكومة الاحتلال. ولذلك فإن القرار بهذا الشأن في القدس ليس مجرد خطوة من بلدية القدس، بقدر ما هي خطوة تعبر عن سياسة ونهج حكومي رسمي.
وكان لافتاً قيام مديرة عمليات الأونروا الجديدة، غوين لويس، بافتتاح الفصل الدراسي الثاني في مدرسة بنات سلوان الابتدائية، وإعلانها هناك أنه «بالرغم من التحديات الأخيرة تستمر الأونروا بتقديم خدمة التعليم النوعي للاجئي فلسطين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسوف نستمر بفعل ذلك إلى حين الوصول إلى حل دائم وعادل.. أشعر بالفخر عندما أقول بأن الأونروا ستستمر في تعليم أطفال لاجئي فلسطين في الضفة الغربية والقدس الشرقية».
وحذرت منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية من مخطط إنهاء عمل الأونروا في القدس. وأعلن رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير أحمد أبو هولي، أن الاحتلال «يسعى إلى تفريغ القدس من كافة مؤسسات الأونروا؛ لتهويد المدينة وتفريغها من سكانها الفلسطينيين، وإلغاء التعريف الرسمي لمخيم شعفاط كمخيم للاجئين».
واعتبر أن القرار «عنصري بامتياز، وجريمة ترتكب بحق اللاجئين الفلسطينيين في القدس، ما يستوجب على الأمم المتحدة الدفاع عن مؤسساتها، والتدخل لوقف هذه الجريمة التي تستهدف مصادرة جميع مباني الأونروا في القدس».
كما حذرت حركة حماس، الاحتلال من اتخاذ أي قرارات لإغلاق مدارس الأونروا في القدس، واعتبرته «قرارا خطِراً يستهدف الوجود والحق الفلسطيني، وقضية اللاجئين الفلسطينيين».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"