رسائل قمة المناخ.. معاً نغير

02:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. نيللي كمال الأمير

تسلم رئيس بولندا «المطرقة» من رئيس فيجي في تقليد رمزي يعلن بدء انتقال رئاسة مؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة تغير المناخ، وبدء جولته الرابعة والعشرين متضمنة سلسلة من النقاشات والمحاورات، تنوعت أطرافها ما بين رسمية وغير رسمية، محلية وإقليمية ودولية حول قضية هي الأكثر خطراً على الإطلاق إذا تحدثنا عن سلامة الحياة على الكوكب، وهي قضية آثار تغير المناخ.
يحمل مؤتمر الدول الأطراف الرابع عشر في بولندا رسائل مباشرة سلط عليها الضوء المسؤول الأعلى بالأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريس، الأمين العام عندما استهل كلمته بالتأكيد على خطورة تغير المناخ وضرورة الإيمان برسائل أربع: أولاً: العلم يتطلب اتخاذ استجابة أكثر طموحا. وثانيا: اتفاق باريس يوفر إطارا للعمل، لا بد من تفعيله. وثالثا: علينا مسؤولية جماعية تحتم الاستثمار في منع الفوضى الدولية الناجمة عن تغير المناخ، وتكريس الالتزامات المالية المعلنة في اتفاق باريس لمساعدة أضعف المجتمعات والدول. ورابعا: العمل المناخي يوفر طريقا لتحويل العالم إلى الأفضل.
تحدد تلك الرسائل المهمة إطارا لعمل المؤتمر، وتأتي جولته الرابعة والعشرون في مناخ يمكن وصفه بالإيجابي نظرياً وشديد التعقيد بل شديد الخطورة فعلياً. فنظرياً اتفق قادة العالم على العمل الدؤوب من أجل تحقيق أجندة للتنمية المستدامة 2030، والتي لم تمر دون إدراج مكافحة تغير المناخ ضمن أهدافها (الهدف الثالث عشر)، كما استطاع العالم التوصل لاتفاق قانوني له صفة الإلزامية في سابقة تعد الأولى إذا تحدثنا عن القانون الدولي في جانبه البيئي، وهي اتفاقية باريس للمناخ 2015، وانعقد الحوار رفيع المستوى بشأن تنفيذه في نيويورك سبتمبر/أيلول الماضي.
أضف إلى ذلك محور التمويل الذي شهد دفعة إيجابية كذلك. فوجدنا مجموعة البنك الدولي تعلن- قبل أيام- عن تقديم تمويل بقيمة إجمالية تصل إلى 200 مليار دولار لأنشطة مكافحة تغير المناخ على مدى خمسة أعوام. يشتمل التمويل المخصص للسنوات 2021-2025 على الإنفاق على تدابير التكيف مع تغير المناخ والقدرة على مواجهته، كما ستساند مجموعة البنك الدولي- وفقا لما أعلنته- إدراج اعتبارات المناخ في أنشطة تخطيط السياسات، وتصميم الاستثمارات، وتنفيذها في القطاعات الرئيسية كالطاقة والغذاء وتخطيط المدن.
ولا تلغي تلك الإيجابيات صفتي الخطورة والتعقيد عن قضية تغير المناخ في المقابل. وتكفي الإشارة إلى وجود كشف علمي حديث بشأن علامات في سيبريا تدل على كارثة مستقبلية، فاكتشف علماء وكالة الفضاء الأمريكية أن ذوبان الجليد الأزلي في سيبريا وألاسكا يتسارع وبسبب تكون بحيرات التضاريس الحرارية، وهي حفر ممتلئة بالماء، تظهر نتيجة ذوبان الجليد الأزلي في عمق الأرض ويخلّ ظهورها بالتوازن الحراري، لأن المياه تساعد في ارتفاع حرارة التربة، ما يساعد في ظهور رد فعل يزيد من ذوبان الجليد في موسم الحر، كما يذوب على عمق 15 متراً بدلاً من بضعة سنتيمترات كالعادة.
تطرح وكالة الفضاء الأمريكية، (ناسا)، أيضا على موقعها الرسمي أبعاد كارثة تغير المناخ، مشيرة إلى أنها ستصبح ذات آثار أكثر تدميرا، خاصة على بيئة الولايات المتحدة، فستشتمل على خلل في قضايا بيئية مثل استمرار ارتفاع درجات حرارة الأرض، وموجات البرد ستصبح أطول، والتطرف في الطقس سيصبح أشد، ومعدلات هطول الأمطار ستتغير، وموجات الحرارة الشديدة والجفاف ستطول، أما الأعاصير فستصبح أكثر عنفا، وسيرتفع مستوى المياه من قدم إلى أربع بحلول عام 2100، وسيذوب الجليد في المحيط المتجمد صيفا قبل انتصاف القرن الحالي!
تواجه قمة المناخ الرابعة والعشرون إذاّ مناخاً شديد التحدي، ونتحدث عن 30 ألف مشارك ما بين ممثلي حكومات وأحزاب ومجتمعات مدنية، ومسؤولين من المنظمة الأممية و500 متطوع، وفعاليات تنعقد في ثماني قاعات كبرى بالتوازي ما بين اجتماعات ومؤتمرات صحفية ومراكز معلومات.. نتحدث عن مدينة متكاملة تم تجهيزها داخل مدينة كاتوفيتسا البولندية واحتاج تجهيزها إلى 2000 عامل، اجتمعوا لبحث أفضل السبل لإنقاذ الأرض.
منذ اللحظات الأولى لانطلاق قمة المناخ الرابعة والعشرين ظهرت تأكيدات عديدة من رأس الدولة المضيفة على أن «معاً نغير»، هي شعار القمة وسبيل المكافحة، لأن العمل الجماعي والتضامن بين الشعوب ظهر كآلية ناجحة في عديد من الأحداث التاريخية، ولا يزال صالحا للاستخدام خاصة إذا كنا نتحدث عن مشكلة تطول العالم بأسره. لقد اقترح الرئيس البولندي عدة آليات لتحسين مناخ مواجهة تغير المناخ، وهي مقترحات جديرة بالدراسة ومما تتضمن: أن تضع القيادات في العالم خصوصا الحكومية تغير المناخ وسبل المواجهة على قمة أجنداتهم واعتبارها ضرورة ملحة وسبيلا لتحقيق «مكاسب للجميع»، لا سيما على مستوى جذب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقة، واستكمال التعهدات المتضمنة في اتفاقية باريس لتغير المناخ ومحاولة تحقيق تكامل بين فحواها والسياسات العامة على مستوى الدول، وإطلاع الرأي العام على ما يتم تنفيذه حكوميا بشأن تغير المناخ وسبل المواجهة ليس فقط تحقيقا لمبدأ الشفافية، وإنما أيضا لمبدأ المشاركة المجتمعية وزيادة الوعي بأبعاد قضية متشابكة الأبعاد كتغير المناخ.
ويظل السؤال: ما هي أفضل السبل؟ وأسرعها للوصول إلى ذلك؟
التحركات الرمزية تجدي وتقدم المثل الذي يستحق الاقتداء به، فوجدنا الحكومة البولندية وقد وفرت استخدام المواصلات العامة في المدينة بالمجان للمشاركين في مؤتمر المناخ محاولة لخفض الانبعاثات الملوثة من الاعتماد على السيارات في التنقل أثناء انعقاد المؤتمر. وأعلنت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المنظمة الدولية ستبدأ بنفسها للتأكيد على دعمها للتخلص من العبوات البلاستيكية ذات الاستخدام المفرد، وذلك بالعمل على حظر استخدامها في كافة مكاتب الأمم المتحدة حول العالم، وهي مبادرات محمودة يجدي تنفيذها كما يجدي ترويجها عالميا.
ختاماً، فإذا كانت بعض الدراسات تقدر كلفة تغير المناخ وآثاره على الاقتصاد العالمي بحوالي 21 تريليون دولار بحلول عام 2050، وإذا كان اليوم يتنفس أكثر من 90% من سكان الحضر في العالم هواء غير آمن، فإننا نتحدث عن كارثة لا ينبغي أن يستثنى من مواجهتها أحد لأنه يصعب أن يفلت من آثارها أحد، وكي يتحقق ذلك التكامل في المواجهة لا بد أن تمتزج مسؤولية الحكومة بالمسؤولية الفردية تجاه الأرض وسلامتها، وهو توجه نتوقع زيادة تناوله الفترة القادمة، خاصة أن مبادئ: الطموح، والتحول، ومشاركة المواطنين، أعلنت كثلاثة أمور رئيسية في قمة المناخ 2019 التي ستركز على زيادة سقف الطموح الحقيقي، والعمل التحويلي في الاقتصاد، وتعبئة غير مسبوقة للمواطنين والشباب. وإذا كان السؤال: كيف نصل لأفضل السبل لتعبئة الشباب وإشراكهم في إنقاذ الأرض من كارثة تغير المناخ؟ فالإجابة: بالعلم وحده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"