هل القضاء على شلل الأطفال فكرة جيدة؟

02:24 صباحا
قراءة 4 دقائق

انتشر شلل الأطفال على نحو مباغت في آسيا الوسطى هذا العام، حيث تم الإبلاغ عن 560 إصابة في طاجيكستان وحدها . كما تم تشخيص بعض الحالات في روسيا وأوزبكستان أيضا . ومن الواضح أن العدوى انتقلت بواسطة أشخاص مسافرين من طاجيكستان مصابين بالمرض ولكن لا تبدو عليهم أعراضه .

إن انتشار الوباء في طاجيكستان على هذا النحو مثير للقلق بشكل خاص، وذلك لأن طاجيكستان من بين البلدان التي صدقت منظمة الصحة العالمية على خلوها من شلل الأطفال . والواقع أن حملة استئصال شلل الأطفال، كما تظهر مأساة طاجيكستان، قد تعرض العالم بالكامل للخطر . ومن غير المنطقي أن نتحدث عن استئصال مرض مثل شلل الأطفال إذا كان بوسع انتشار محدود للمرض في منطقة نائية من العالم أن ينتشر بسرعة إلى حد تهديد المليارات من البشر بخطر الإصابة .

إن هذا السيناريو ليس مجرد فرضية . فقد صدقت منظمة الصحة العالمية على خلو النصف الغربي من الكرة الأرضية من شلل الأطفال قبل عشرين عاما، ولكن في عام 2000 ظهرت حالات في هايتي وجمهورية الدومينيكان . كما تم الإبلاغ عن أربع حالات في مجتمع الأميش في ولاية مينيسوتا في عام ،2005 كما تم الإبلاغ عن حالات عديدة في الأعوام الأخيرة في أنغولا ونيجيريا وأوغندا وكينيا وبنين والهند والصومال وباكستان والسودان، ومناطق أخرى من العالم .

يرى العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية أن أعظم انتصار حققه الطب في هذا القرن كان القضاء على مرض الجدري . ولقد أدى هذا الإنجاز المذهل دوراً أساسياً في دفع العديد من الحكومات الوطنية والدولية والمنظمات، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية ومنظمة الروتاري الدولية ومؤسسة جيتس، إلى حشد الجهود من أجل القضاء على العديد من الأمراض المعدية الأخرى، مثل الحصبة والملاريا وشلل الأطفال .

إن القضاء على الأمراض التي قتلت أو أصابت بالعجز أعداداً لا حصر لها من البشر يشكل هدفاً من السهل أن نتفهمه ونبذل له كافة أشكال الدعم الممكنة . وعلى حد تعبير مارغريت تشان مديرة منظمة الصحة العالمية في خطابها الذي ألقته على مجموعة من أعضاء منظمة الروتاري في مؤتمرهم الدولي في العام الماضي فإن المجتمع الدولي لديه فرص ضئيلة للغاية لتحسين هذا العالم بشكل حقيقي ودائم . ويشكل استئصال شلل الأطفال واحدة من هذه الفرص . فضلاً عن ذلك فإن الحديث عن استئصال المرض أمر متفرد كوسيلة لحشد التمويل، وشد انتباه الساسة، وتوظيف التغطية الإعلامية الإيجابية .

ولكن هناك أسباباً تدعو إلى التساؤل عما إذا كانت الجهود المستمرة للقضاء على شلل الأطفال في مقابل السيطرة على المرض بشكل حاسم وفعّال تشكل المسار الصحيح الواجب اتباعه .

فإذا كان القضاء على شلل الأطفال هو الهدف من حملات الصحة العامة الحالية، فمن الأهمية بمكان أن نتعرف بالضبط إلى الأهداف التي يجري تحديدها . إن الحديث عن استئصال المرض يعني التخلص من المرض نهائيا، الأمر الذي يعني بالتالي التخلي عن يقظتنا في التصدي له . ولكن العواقب المترتبة على التخلي عن اليقظة وحلول عدم المبالاة في محلها في التصدي لشلل الأطفال تشكل خطورة بالغة في عالم اليوم .

فأولاً، تشكل المراقبة اللازمة لترسيخ القضاء على المرض تحدياً كبيراً . فبسبب الحروب وانهيار الحكم المدني والحكومات المتعنتة قد يصبح الوصول إلى بعض الأجزاء من العالم مستحيلاً في بعض الأحيان . ومن غير الواضح فضلاً عن ذلك ما إذا كان من الممكن استكشاف جميع حالات الإصابة بشلل الأطفال، وذلك لأن بعض الأشخاص المصابين بالعدوى لا تظهر عليهم أعراض المرض . والتحدي المتمثل في ضمان الرقابة الكافية يبدو جسيماً إلى حد يجعلنا عاجزين عن التصدي له عندما ندرك أن شلل الأطفال قد يعود إلى الظهور فجأة ومن دون أي سابق إنذار في هيئة متوحشة .

إن ملاحقة الحالات الأخيرة من الإصابة بشلل الأطفال أمر باهظ التكاليف . والواقع أن البنية الأساسية الهشة لأنظمة الرعاية الصحية وأنظمة الدعم المجتمعية تخضع للإجهاد الشديد بسبب جهود استئصال المرض، مع تحويل ميزانيات وموارد الحكومات في البلدان الفقيرة بعيداً عن مشكلات محلية أكثر إلحاحاً .

وفي أجزاء أخرى من العالم، أصبح الاحترام الناشئ لحق المريض في رفض اللقاحات يشكل تحدياً عصيباً لهؤلاء الذين يسعون إلى استئصال أمراض مثل شلل الأطفال . فقد هبطت معدلات التحصين ضد شلل الأطفال في العديد من أنحاء الولايات المتحدة إلى ما دون 90%، الأمر الذين يعني ارتفاع خطر انتشار المرض إلى حد كبير في حال ظهور أي حالة إصابة . وفي عصر السفر الجماعي جواً، فإن أي شخص مصاب في طاجيكستان قد ينتقل إلى أي مكان في الولايات المتحدة على سبيل المثال في غضون يوم واحد .

وأخيراً هناك الاحتمال الدائم المتمثل في خطر الإرهاب البيولوجي . ولهذا السبب وحده، فلا ينبغي لنا أبداً أن نضع ثقتنا الكاملة في مزاعم القضاء على أمراض مثل شلل الأطفال .

لا شك أن استئصال شلل الأطفال هدف نبيل، ولكنه ليس الهدف السليم . إن أفضل ما نستطيع أن نقوم به من جهد يتلخص في السعي إلى السيطرة على شلل الأطفال، مع التمسك بالأمل في أن تسمح لنا العوامل المرتبطة بالسياسة والاقتصاد والأخلاق بتحقيق هذه الغاية . والواقع أن أولئك المشاركين في الجهود الرامية إلى القضاء الكامل على المرض لابد أن يعيدوا النظر في هدفهم، خشية أن يقودنا اليقين من قدرتنا على تحقيق ما لا يمكن تحقيقه إلى الكارثة .

آرثر كابلان

أستاذ أخلاق الطب الحيوي ومدير مركز

أخلاق الطب الحيوي بجامعة بنسلفانيا

بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"