ماكرون في الصين باسم أوروبا

03:44 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمد سعد أبوعامود *

شهدت العلاقات الصينية - الأوروبية مجموعة من المتغيرات خلال الفترة من يناير(كانون الثاني) 2018 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 أي ما بين زيارتي الرئيس ماكرون لبكين.
يمكن أن نشير إلى أهم هذه المتغيرات كالآتي:
1- لم تحقق زيارة ماكرون الأولى الأهداف التي كان يسعى إليها والمتمثلة في فتح اقتصاد بلاده أمام الاستثمارات الصينية في مقابل انفتاح أكبر للأسواق الصينية المزدهرة، وعلاج الاختلالات التجارية القائمة بما يساعد على تقليص العجز التجاري لفرنسا مع الصين، إلا أن الصفقات الكبرى ظلت غائبة عن الاتفاقيات التي تم توقيعها، على الرغم من اصطحابه وفداً من قطاعات الأعمال والتمويل والصناعة يضم مسؤولين تنفيذيين كباراً من الشركات الفرنسية.

استراتيجية آسيا

2 - إعلان الاتحاد الأوروبي استراتيجية آسيا للتواصل، وذلك في إطار حملة لإثارة الشكوك حول مشروع الصين «الحزام والطريق»، وهو خطة بديلة لآسيا يقول إنها لن تثقل كاهل الدول المستفيدة بأي ديون لا تستطيع سدادها وتهدف إلى تحسين العلاقات في مجالات النقل والتكنولوجيا والطاقة وفي الوقت ذاته تعزيز المعايير الخاصة بالبيئة والعمل. ويمكن القول بأن الإعلان عن هذه الاستراتيجية كان بمثابة أداة للضغط على الصين من أجل تقديم تنازلات للجانب الأوروبي في بعض الملفات الاقتصادية تحديداً.

حرب تجارية بين الصين وأمريكا

3 - تعرضت أوروبا لحرب تجارية من الجانب الأمريكي ومنافسة شديدة من الشركات الصينية الأمر الذي دفعها الى البحث عن نقطة توازن لحماية تماسك الاتحاد الأوروبي واقتصاده بعد الارتباك الذي لحق به إثر استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في 2017، وعانت أوروبا مأزقاً بين نهج الرئيس ترامب القائم على المفاوضات الثنائية المباشرة بين الدول، والحملة التوسعية الصينية من خلال طرق الحرير الجديدة، والتي تمثل خطة بكين الضخمة لنشر بنى تحتية بحرية وبرية تربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، والتي نجحت الدبلوماسية الصينية في ضم إيطاليا اليها في مارس (آذار) 2019، وهو الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في نطاق الاتحاد الأوروبي، وقد لخص المفوض الأوروبي غونتر أوتينغر الموقف بقوله «أوروبا بحاجة ماسة إلى استراتيجية حيال الصين»، لافتاً إلى أن بنى تحتية استراتيجية مهمة مثل شبكات الكهرباء أو خطوط القطارات فائقة السرعة أو المرافئ، لم تعد بأيد أوروبية بل صينية.
4 - دعا الرئيس الفرنسي الى تبني نهج أوروبي مختلف في إدارة العلاقات الأوروبية -الصينية يقوم على بناء موقف أوروبي موحد بقدر الإمكان باعتبار أن النهج الأوروبي غير المنسق أتاح للصين الاستفادة من الانقسامات الأوروبية، وهو ما تحقق خلال لقاء قمة باريس مارس (آذار) 2019 الذي جمع الرئيس الصيني والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية ورئيس المفوضية الأوروبية، وحاولوا فيه الظهور بموقف أوروبي موحد في الملفات الكبرى، وسعى الأوروبيون لعقد تفاهمات مع الصين تقنعها بالتعامل مع أوروبا كوحدة واحدة بدل الاعتماد على اتفاقات ثنائية، كما تحدث الأوروبيون عن خطط للشراكة بدل الانخراط في حروب المنافسة الضارة لكافة الأطراف.
5 - أولى الجانب الصيني الذي يعاني حرباً تجارية شرسة مع إدارة ترامب الجانب الأوروبي اهتمامه، خاصة أنه يعاني حرباً مماثلة، يتفق الطرفان على آثارها الضارة لكافة الأطراف الدولية وتهديدها للنظام الدولي واستقراره، ومن ثم تتوافر بينهما مساحة من الأرضية المشتركة التي يمكن البناء عليها.
من هنا جاء التحرك الرئاسي الصيني المكثف تجاه أوروبا سواء على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف، ولقد سعت الصين الى طمأنة الأوروبيين بخصوص بعض المخاوف المثارة من التحرك الصيني في أوروبا وتقديم بعض التنازلات وهو ما بدا في البيان الصادر عن قمة بروكسل في 9 إبريل (نيسان) 2019، حيث أكد الطرفان على ديناميكية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، وتعهدا بالتمسك بالتعددية ومعارضة الحمائية والالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية والتعاون المشترك لإصلاحها بما يمكنها من معالجة التحديات العالمية.

الزيارة الثانية

في سياق هذه المتغيرات جاءت زيارة ماكرون الثانية للصين في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي برفقة الوزيرة الألمانية المكلفة بالأبحاث أنيا كارليتشك والمفوض الأوروبي الإيرلندي فيل هوغن الذي سيتولى حقيبة التجارة في المفوضية الأوروبية الجديدة، وهو ما يمثل تطبيقاً لدعوة ماكرون الأوروبيين الى التحدث بصوت واحد لمواجهة الصين بشكل أفضل في الملفات الاقتصادية.
وقد حققت هذه الزيارة العديد من الأهداف التي سعى إليها الطرفان، يؤكد هذا ما نتج عن هذه الزيارة. فعلى المستوي الأوروبي تم توقيع اتفاق المنبت الجغرافي الذي يؤكد مصدر المنتجات الأوروبية التي تدخل الأسواق الصينية ويطال 26 نوعاً يتم إنتاجها في مناطق معينة في فرنسا من الكحول والأجبان ستحظى بحماية لدى دخولها السوق الصينية، ووفقاً لماكرون فإن هذا الاتفاق سيشكل تقدماً كبيراً هو نتيجة عمل مشترك على المستوى الأوروبي لأنه سيتعلق ب100 منتج من مناطق معينة في الاتحاد الأوروبي. وحول المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق واستراتيجية الارتباط بين أوروبا وآسيا للاتحاد الأوروبي، تم الاتفاق على تسريع وتيرة تنفيذ المشروعات النموذجية التي جرى الاتفاق عليها، ودعم مزيد من الشركات نحو المشاركة في سوق طرف ثالث، فضلاً عن التنمية الخضراء للحزام والطريق.
وعلى المستوي الثنائي قال مسؤول صيني إنه تم توقيع عقود بقيمة 15 مليار دولار خلال الزيارة، شملت مجالات الطيران والطاقة والزراعة، بما في ذلك موافقة لعشرين شركة فرنسية على تصدير الدواجن ولحوم الأبقار ولحوم الخنازير إلى الصين.

صفقات الطاقة

وشملت صفقات الطاقة مذكرة تفاهم بين مجموعة «بكين جاس» ومرفق «إنجي» للكهرباء الفرنسي للتعاون في إنشاء مرفأ ومستودع تخزين للغاز الطبيعي المسال في مدينة تيانجين بشمال البلاد، وضمن صفقات أخرى ستقيم «توتال» مشروعاً مشتركاً مع مجموعة «شينرجي» الصينية لتوزيع الغاز الطبيعي المسال باستخدام شاحنات في دلتا نهر يانغتسي. وفي تقرير منفصل نشرته وكالة (شينخوا) قالت الصين إنها ستدعم مشتريات شركاتها لطائرات إيرباص.

* أستاذ العلوم السياسية جامعة حلوان

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"