«المركزي» الفلسطيني.. والحلقة المُفرغة

03:21 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

اختلطت الأوراق بشكل حاد في الحلبة الفلسطينية قبل انعقاد المجلس المركزي، وازداد هذا الخلط حدة؛ بعد انعقاده دون أن تحسم تقريباً أي قضية من قضايا الخلاف الداخلي والخارجي. وسبقت انعقاد المجلس المركزي، تلميحات وتهديدات بقرارات حاسمة في مواجهة كل من الكيان وأمريكا و«حماس» في قطاع غزة. غير أن نتائج مداولات المجلس وقراراته كانت عملياً تكراراً لقرارات سابقة من ناحية، وتأجيلاً في تنفيذ التهديدات، وتفويض لجنة جديدة بتنفيذ القرارات.
مع ذلك كان بين النتائج الإيجابية لانعقاد المجلس المركزي تنفيس بعض جوانب الأزمة الداخلية، وعدم تصعيدها، والتركيز على القرارات السياسية؛ برفض «صفقة القرن» ووقف التنسيق الأمني مع الكيان.
وأعلن المجلس المركزي الذي زاد انعقاده من حدة الخلاف التنظيمي الفلسطيني وجوب «وقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة، والانفكاك الاقتصادي على اعتبار أن المرحلة الانتقالية وبما فيها اتفاق باريس لم تعد قائمة، وعلى أساس تحديد ركائز وخطوات عملية للاستمرار في عملية الانتقال من مرحلة السلطة إلى تجسيد استقلال الدولة ذات السيادة». وعلى الصعيد السياسي طالب منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، بإنهاء التزاماتهما كافة تجاه اتفاقاتهما مع سلطة الاحتلال وفي مقدمة ذلك؛ «تعليق الاعتراف بدولة «إسرائيل» إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؛ نظراً لاستمرار تنكر «إسرائيل»» للاتفاقات الموقعة، وما ترتب عليها من التزامات وباعتبار أن المرحلة الانتقالية لم تعد قائمة». وفي الشأن الداخلي حمّل المجلس المركزي، حركة «حماس المسؤولية الكاملة عن عدم الالتزام بتنفيذ جميع الاتفاقات، التي تم التوقيع عليها وإفشالها، التي كان آخرها اتفاق 12 أكتوبر/تشرين الأول 2017، الذي صادقت عليه الفصائل الفلسطينية كافة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017»، مؤكداً الالتزام ب «تنفيذ هذه الاتفاقات بشكل تام بالرعاية الكريمة للأشقاء في مصر».
ولكثرة القرارات التي اتخذتها الهيئات القيادية الفلسطينية؛ رداً على النشاطات السياسية والاستيطانية الصهيونية بشأن وقف التنسيق الأمني والعجز عن تنفيذها اعتبر كثيرون أن تكرار مثل هذه القرارات يظهر العجز الفلسطيني. وتشكل مثل هذه القرارات مناسبة للكثير من المعلقين والمحللين السياسيين الفلسطينيين؛ لمطالبة القيادات بالتركيز على المصالحة واستعادة الوحدة طريقاً لتنفيذ هذه القرارات؛ إذ يصعب على الفلسطينيين، وهم منقسمون، امتلاك القوة لتنفيذ قرارات على هذا المستوى من الوضوح والشدة في الظروف القائمة.
ومن الواضح لكل القوى السياسية الفلسطينية، أن الظروف الإقليمية والدولية ليست محابية للموقف الفلسطيني. ولكن هذا الوضوح لم يحل دون استمرار الخلافات التنظيمية والسياسية، التي تفاقمت قبيل انعقاد المجلس المركزي، وظهرت جوانب جديدة لها بعد انعقاده. فقد غابت عن الاجتماع خمس قوى رئيسية؛ بينها «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بما يمثلان من ثقل شعبي وعسكري إلى جانب فصيلين مركزيين في منظمة التحرير، هما الجبهتان الشعبية والديمقراطية. وعدا ذلك لم تحضر الاجتماع قوى سياسية فلسطينية مركزها دمشق وبعضها تاريخي. ومن المؤكد أن هذا التوصيف ليس الأكثر تأكيداً على مدى شرعية هذا الاجتماع وشرعية المجلس الوطني الذي انبثق عنه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الخلاف الداخلي الفلسطيني الذي تجلى في مقاطعة الاجتماع لم يكن يعني أن حله يمكن أن يقود إلى قرارات أشد من تلك التي اتخذها المجلس المركزي. فالقرارات كانت على وجه العموم قريبة من المزاج العام الفلسطيني ومعبرة عن رغبته؛ ولكن الاعتراض في أساسه كان على ما يُعرف بالتفرد والافتقار لمبدأ الشراكة ومتطلباته. ويرد أنصار عقد المجلس بأن عقده كان ضرورة وطنية أملتها الظروف القائمة وأن عدم مشاركة المعترضين كان تعبيراً عن عدم إحساسهم بالمسؤولية تجاه تحقيق الأهداف الوطنية. وبديهي أن هذا السجال سيظل قائماً إلى أن تجد القوى الفلسطينية وسيلة للتفاهم على سبل التعاطي مع بعضها في إطار منظمة التحرير.
وسبق انعقاد المجلس المركزي تهديدات بإعلان حل المجلس التشريعي وإعلان المجلس المركزي بديلا له. وكان أبرز هذه التهديدات ما صدر عن اجتماع المجلس الثوري لحركة «فتح» من توصية بهذا المعنى لعرضها على المجلس المركزي؛ ولكن كما سلف تجنب المجلس المركزي اتخاذ قرارات يمكنها أن تفاقم الأزمة الداخلية، واكتفى فقط بتحميل «حماس» المسؤولية عن تنفيذ الاتفاقات. وربما أن التحركات الإقليمية والدولية بشأن التخفيف من معاناة غزة والتحذيرات من مغبة اتخاذ إجراءات أخرى ضد القطاع ساعدت في تجنب هكذا قرارات.
ومع ذلك كان لافتاً إعلان المجلس المركزي عن تشكيل «لجنة وطنية عليا؛ بهدف الاستمرار في تنفيذ قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي كافة، واتخاذ الخطوات العملية وفق الأولويات المناسبة وبما يعزز صمود الشعب الفلسطيني ويحافظ على مصالحه الوطنية العليا». ورأى البعض في هذا القرار «مضيعة للوقت» وتهميشاً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من ناحية وابتكاراً لهيئة جديدة ذات صلاحيات تضاف إلى ما هو قائم في المنظمة وفي السلطة الفلسطينية.
وهناك إجماع بين كل المتابعين للشأن الفلسطيني على أن المرحلة الراهنة هي استمرار لوضعية إدارة الأزمات الداخلية والخارجية. ورغم كل الإيحاءات بقرب حدوث انفراجة دولية أو إقليمية تخرج المسألة الفلسطينية من وضعية الركود الحالية فإن كل الدلائل تشهد على أن التغييرات الجوهرية ليست قريبة. ف «صفقة القرن»، التي كثر الحديث مؤخراً عن قرب عرضها لا تزال تعاني؛ جرّاء انعدام الرؤية الحيادية لدى «الوسيط» المزعوم. وتقريباً ليس في الحلبة الفلسطينية، وربما في الساحة العربية، من هو على استعداد جدي للسير بها والدفاع عنها. وهذا هو المغزى الحقيقي لتركيز المجلس المركزي على وجوب مواجهتها.
ومن الناحية العملية يمكن القول إن قرارات المجلس المركزي تؤكد ما يعد إجماعاً فلسطينياً لجهة الصدام مع «صفقة القرن» والفكاك من التزامات اتفاقات أوسلو. ولكن هذه القرارات تصطدم بواقع عربي متناقض يخلق هوامش واسعة من الاختلاف في المواقف. والاتجاه الدؤوب نحو التهدئة في قطاع غزة عبر وساطة مصرية يشير إلى صعوبة الاندفاع نحو التسخين في الضفة الغربية. وهذا يجعل الحديث عن وقف التنسيق الأمني مجرد كلام يصعب ترجمته على الأرض. وهو ما قاد عدداً من قادة الكيان إلى التعامل باستخفاف مع قرارات المجلس المركزي.
في كل حال فإن قرارات المجلس المركزي السياسية ضد الكيان و«صفقة القرن» حتى وإن كانت تكراراً لقرارات سابقة فإن إعادة التأكيدها أكد موقفاً فلسطينياً مقبولاً لدى أغلبية الفلسطينيين. كما أن عدم التصعيد عبر قرارات جديدة أبقى الباب مفتوحاً أمام وساطة مصرية وغيرها لتقريب الرؤى باتجاه مصالحة مأمولة لا تبدو ملامحها واضحة في المستقبل القريب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"