جريمة «كريسماس»

01:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: إيهاب عطا

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
كعادتهم منذ أن وطأت أقدامهم الدولة يحتفل أفراد أسرة «م» كل عام بليلة عيد الميلاد «كريسماس» في أجواء من البهجة والسعادة في منزلهم المتواضع، ولهذه المناسبة استأجروا غرفتين في منزل كبير بالمشاركة مع آخرين تسود بينهم المحبة والألفة. هم يحبون الاحتفال بعيداً عن الزحام والصخب.. يفضلون أن يقضوا هذه الليلة مجتمعين يتسامرون ويسترجعون ذكرياتهم. وفي تلك الليلة جهزوا كل شيء للاحتفال: الزينة والأضواء وشجرة الكريسماس والفطائر والكيك والمشروبات بمختلف أنواعها، وتبادلوا التهنئة مع اقتراب بداية العام الجديد وتمنوا لبعضهم بعضاً عاماً أفضل وأسعد، وجلسوا يتناولون المشروبات مع بعض المأكولات الخفيفة واستمروا في تبادل حديث لم يقطعه إلا استئذان «م» الذي كان يعمل سائقاً وهو متزوج ولديه طفلان، ولد وبنت، حين خرج ليدخن سيجارة خارج المنزل حيث الطقس المعتدل والجو الصافي بعيداً عن الأطفال، وليفكر بتركيز في إحدى المسائل التي أرّقته منذ أيام بشأن أسرته وتكاليف المعيشة وزيادة النفقات في وجود طفلين.
كان كل شيء يسير على ما يرام وعلى أفضل حال حتى قطع خلوة «م» في تلك اللحظات مجيء أحد الأشخاص الذين يعرفهم ومر بجانبه وعبر بوابة المنزل متجهاً إلى حيث يجلس أفراد أسرته وفيهم شقيقه الأصغر وزوجته ووالدتهما وشقيقتهما. مرت لحظات وسمع «م» صوتاً مرتفعاً يصدر ربما من شقيقه وربما من هذا الشخص الذي دخل للتو، فاتجه «م» على الفور إلى الداخل لينظر ماذا يحدث، فوجد شقيقه داخلاً في مشادة كلامية مع ذلك الشخص الدخيل الذي جاءهم ليفسد ليلتهم، وكان موضوع المشادة حول مبلغ من المال اقترضه شقيقه وتأخر في رده إلى ذلك الدخيل.
حاول «م» أن يفض المشادة الكلامية بينهما ويهدئ الموقف، إلا أن ذلك الدخيل أصر على استمرار المشادة والحديث بصوت عالٍ، ما يعني رغبته في فضحهم بين سكان المنطقة التي يسكنون فيها في تلك الليلة غير العادية لديهم، فاستشاط «م» غضباً بعدما فشل في تهدئة الموقف، وهمّ بالدخول في اتجاه المطبخ خارج الغرف، وعندما رأته زوجته سألته عن وجهته وسبب ذهابه إلى المطبخ وهي تقف في طريقه وتحاول منعه لأنها تعرف مدى عصبيته وكيف يفقد السيطرة على نفسه وقت الغضب، ودار بينما الحوار التالي:
- إلى أين تذهب؟ إلى المطبخ. أعرف أنك تذهب في اتجاه المطبخ، لكن لماذا ما حاجتك من المطبخ؟ لن أدعك تمر قبل أن تخبرني وأنا آتيك بما تريد.. لن تدخل المطبخ وأنت في هذه الحالة. كان «م» قد وقع في جريمة اعتداء بسكين في موقف مشابه لما يمرون به الآن لكن الأمر انتهى بإصابة وتم تسوية الموضوع في النيابة ولم يصل الأمر إلى المحكمة، ونجا وقتها من السجن والإبعاد عن الدولة وهو يعد بمثابة حكم إعدام على الأسرة كلها.
أصر «م» على دخول المطبخ ودفع زوجته عن طريقه وقال لها:
* ستعرفين حالاً لماذا أدخل المطبخ!
- أنا أعرف.. أستحلفك بحياتي وحياة أولادنا وكل غال وعزيز عندك أن تهدأ ولا تتهور.. لا أريد أن أخسرك.. الغضب يعميك.. توقف.
دخل المطبخ غير عابئ بتوسلات زوجته واستل سكيناً كبيراً وخرج متجهاً إلى حيث المشادة بين شقيقه والدخيل، وعلى الفور وجه طعنة إلى بطن الدخيل وهو يقول له: الآن ستهدأ غصباً عنك وربما للأبد. وما هي إلا لحظات حتى كان الدخيل جثة هامدة، وصرخت زوجة «م» صرخات شقت هدوء المنطقة السكنية بأكملها لتنقلب رأساً على عقب وتأتي بعدها الشرطة وتقبض على «م» ليبدأ فصل جديد من حياته وحياة أسرته لم يكن يتوقعه في ليلة «كريسماس».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"