أم عزان: والدتي علمتني الخياطة وزوجي دعم حرفتي

تحافظ على التراث بصناعة المجسّمات التراثية
02:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: فدوى إبراهيم
تعتبر موزة عبدالله المعروفة بأم عزان؛ من اللاتي مارسن الحرف لإثبات وجودهن في المنزل والمجتمع. ولم تكن بدايتها مهنية؛ بل هي كغيرها من الإماراتيات اللاتي ظللن يقمن بكل الأعمال الأسرية كجزء من واجباتهن، وكانت تخيط ملابس أبنائها وتقوم بكل المهام المنزلية، وتدرس في الفترة المسائية، حتى وجدت نفسها قادرة على إثبات وجودها مجتمعياً، فأصبحت اختصاصية حرفية في مركز الحرف الإماراتية، التابع لمعهد الشارقة للتراث.

ولدت أم عزان بإمارة عجمان وتحديداً «فريج» الشرقي، وهو أحد «الفرجان» القديمة في منطقة الميناء، وكان الناس قديماً يفضلون السكن قرب البحر لتعلّق عملهم به. وعن طفولتها تحدثنا أم عزان قائلة: «كانت تسعدنا أبسط الأشياء. نخرج كأطفال أولاداً وبنات نلهو ونلعب في الفريج وقرب البحر لأوقات طويلة، ليس لدينا ما يأخذنا من اللعب. لا أجهزة لوحية ولا هواتف نقالة، ويظل الاختلاط بين الأولاد والبنات أمراً عادياً حتى ما يقارب عمر العاشرة، وكان الأولاد يتعلمون حرف آبائهم، والبنات يساعدن والداتهن في الواجبات المنزلية. ومنذ كان عمري في السابعة وأنا أنظّف البيت، وأغسل الملابس يدوياً، وأساعد أمي في الطهي والتسوق من سوق «العرصة»، وأحمل مسؤولية أخواتي، حيث إنني الكبرى بين بنت وأربعة أولاد، وكان الغرض من مساعدة الأم في الشؤون المنزلية، هو تعلم القيام بالمهام لتصبح الفتاة مهيئة للزواج والاعتماد على نفسها».
وتستحضر أم عزان من ذاكرتها عمل والدها الذي كان يستيقظ فجراً ليذهب إلى صيد السمك رفقة أصدقائه، وفي مواسم أخرى يقوم باستخراج اللؤلؤ، وكان عمله صعباً بحسب أم عزان، التي لا تنسى الأوقات التي كان يقضّيها حين يفرد مساحة داخل البيت ليفك ما اشتبك في شبكة الصيد من خيوط ويصلح ما يستحق، ويقضّي أياماً في البحر.
وتتذكر أن بيتهم كان مبنياً من الحجر المرجاني والطابوق، وتم ترميمه لمرات حتى انتقلوا إلى منطقة الكرامة، ومن ثم إلى مشيرف، حيث منحت الحكومة بيوتاً شعبية للمواطنين.
وعلى تعليمها تعلق قائلة: «تعلمت القرآن على مطوعة ومطوع في عمر يقارب 7 سنوات، ولم تكن هنالك مدارس وكان افتتاحها مشجعاً لنا للتعلم، وأذكر منها مدرسة خديجة، وكان لإخوتي الأولاد نصيباً أفضل لأنهم دخلوها عند بدء افتتاحها وفي عمر مناسب، حيث تزوّجت وأنا صغيرة وعمري ما يقارب 14 سنة، فتعلّمت وقتها في الفترة المسائية».
وتشير أم عزان إلى أن مسؤوليات جديدة أطلّت عليها بعد زواجها، إلا أن وجودها قرب والدتها والأقارب سهّل عليها كثيراً من المهام، فبعد إنجابها كانت تأخذ النصيحة وتتعلّم التربية وتجاوز الصعاب، سواء في المجال الصحي لأبنائها أو التربوي من الأمهات ذوات الخبرة، وهي اليوم تهتم حتى بأحفادها وتعلّمهم نفس القيم التي علّمتها لأبنائها وتعلّمتها من والدتها. وتقول: «حين كان الطفل يعاني المغص كنا نسقيه شراب البابونج أو الحبة الحمراء، ولو آلمته أذنه نقطر فيها دهن العود أو القهوة، ولو عانى الحرارة وظهرت حبوب على بشرته نفرك له بودرة النيل، ونغسله بصابون «لايفبوي» الأحمر».
مهمّة وحرفة
تعلّمت موزة عبدالله من والدتها كثيراً من المهام اليدوية، كخياطة الملابس والتلي، وكانت أمها كباقي النساء، تقوم بتفصيل وخياطة ملابس الأبناء يدوياً، حيث لم تتوفر ماكينات الخياطة حينها، وبعد ظهورها بفترة استطاعت أم عزان أن تحصل على دورة تدريبية في القص والخياطة وصناعة النماذج التراثية، التي من شأنها أن تُبقي التراث شاخصاً أمام الجيل الجديد. وحول ذلك تقول: «أتمنّى أن تمنح الطالبات في المدارس حصة تعلّمهن الخياطة وصناعة المجسّمات التراثية، التي تحتفي بتراثنا وأزيائنا القديمة، وأدواتنا التي كانت أساس حياتنا. وأُلاحظ اليوم على الرغم من أنني أقوم بتدريب كثيرات على الأعمال اليدوية، أن الفتيات والشابات راغبات وسريعات التعلم، إلا أن عدم وجود شيء مستمر يحفّزهن على صناعة تلك المجسّمات، يجعل ما تعلّمنه طي النسيان. ونحن جيل سيأتي يوم ونذهب ليأتي جيل جديد عليه أن يحافظ على تراثه، ففي تعلّمهن لتلك الحرف اليدوية صون للتراث».
ودخلت أم عزان مجال العمل، حيث أصبحت اختصاصية حرف في مركز الحرف الإماراتية التابع لمعهد الشارقة للتراث، وذلك بعد قيام الاتحاد الذي دعم تعليم المرأة وعملها؛ كونها تمثّل جزءاً كبيراً من المجتمع، فاستطاعت بعد زواجها أن تدرس وظلّت تمارس واجباتها مع الشؤون المنزلية والخياطة في المنزل للأبناء، حتى جاءتها فرصة العمل في مركز التنمية بعجمان من خلال الأعمال اليدوية، ومكثت فيه قليلاً حتى وجدت فرصة في دائرة الثقافة والإعلام كمشرفة متاحف، ثم في مجال الأزياء التراثية، وكحرفية في مركز الحرف الإماراتية التابع للمعهد. وتشير إلى أن زوجها كان داعماً قوياً لها في تعليمها وتدريبها في مجال الخياطة وعملها، حيث شجّعها وتشجعت هي بفضل دعم الحكومة، لتُثبت قدرتها وتستثمر طاقاتها.
تربية الأطفال
من بين الأشياء التي تذكرها أم عزان حول تربية الأطفال قديماً. تقول: «كانت التربية مهمّة الأم وليس كما هو الآن، حيث تترك الأمهات أطفالهن للمربيات وعاملات المنازل، وهن يتعاملن مع مهامهن كمهنة وليس كتربية، ولذلك لا يمكن أن تُوكَلَ لهن سوى مهام تنظيف وتنظيم المنزل، خصوصاً للأمهات الموظفات.
ومن بين الحلول التي كانت النساء تستخدمها قديماً في السيطرة على الأطفال والعناية بهم، ربط جزء من ثوب أو كندورة الطفل بحبل يصل طوله إلى ما يقارب مترين أو ثلاثة أمتار، وتعقده الأم في قدم السرير، وتترك عنده طعامه وألعابه ليلهوَ بها حتى تكمّل مهامها في المطبخ أو أي مكان، حفاظاً على سلامته. وبالنسبة للأطفال الرضّع لم يكن هنالك ما يسمى اليوم «اللهاية البلاستيكية»، التي تلهيه حتى النوم.
فكانت الأم تضع تمرة في خرقة قماش واسعة المسام وصغيرة، وتربط القماش بعقدة وثيقة، وتدنيها بحبل من أعلى حتى فم الطفل، وهو في سريره الهزار أو ما يسمى «المنز»، كي يلعقها ويمصّها حتى النوم، وللهو كانت الأم تربط جزءاً من «كيس النايلون» برسغ الطفل حتى يلعب به، حيث إنه يصدر أصواتاً يحب الطفل سماعها. كما كانت الأمهات يتركن في الغرفة التي ينام فيها الطفل، جهاز راديو صغير تُشغّل فيه إحدى المحطات الإذاعية كي لا يشعر الطفل بالوحدة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"