تردي الغناء العربي

03:38 صباحا
قراءة دقيقتين
إبراهيم الهاشمي

هل أصبحت ذائقتنا الغنائية بهذا المستوى من التردي، وأصبحت السمة الغالبة عليها موسيقى «التنطيط والتفحيط»؟ هل يكفي اللحن «النقازي» ليمنح الأغنية علو الكعب وكسب المستمعين وسعة الانتشار؟
كان المطربون يتخيرون كلمات أغانيهم بدقة شديدة وبذائقة عالية لكسب المستمع، ويجتهدون في إخراجها بألحان ذات مستوى وروح تتناسب مع الكلمات ومحتواها. كان هناك احترام لأذن المستمع وللذوق العام. كانت المنافسة لتقديم ما يطرب لغة ولحناً ديدن كل فنان يحترم نفسه ويحترم جمهوره، أما اليوم فلا احترام للنفس ولا احترام للجمهور ولا احترام حتى للذائقة الموسيقية، والشواهد لا تعد ولا تحصى، فما نسمعه عبر أثير محطاتنا الإذاعية يعطي صورة واقعية عما وصلت له حالة الأغنية العربية من إسفاف وابتذال وتردٍ. ولو دققنا في كلمات بعض تلك الأغنيات لما وجدنا إلا الركاكة والتهريج اللغوي، وأسوق بعض الأمثلة للدلالة على ذلك؛ يقول مطلع إحدى الأغنيات (عمى بعينك لو تشوف غيري) وأخرى تقول بعض كلماتها (الوضع الحالي لا يطاق كلامك كله نفاق) وأغنية أخرى تقول (أعملك فلو في تويتر مطاغيك أنا في الفيسبوك) وأخرى (انته في قلبي الموبايل اللي أعرفه من زمان، ويختمها ب: يقولوا عني مختل عقلياً) وأخرى (هو غير البشر لو ينجرح ينزف شكر) ونسمع من يقول في أغنية أخرى (يبغي يروح الله وياه، بس يدير وجهه أنساه). وأختم بما ردده أحدهم (ظنيتها صيدة سهله، طلعت أكبر مصيبة) وكل ذلك مع لحن «نقازي» لا يمت في كثير من الأحيان للكلمات بأية صلة سوى السعي لهز الأبدان قبل إطراب الذوق والذائقة.
وللأسف الشديد فقد أنجر العديد من الفنانين المعروفين بمستواهم الراقي وحسن اختيارهم للكلمات واجتهادهم في تقديم ما يستحق الاستماع إليه سواءً ككلمات أو كلحن أو أداء، فركبوا موجة الانحدار هذه دون مسوغ وأرى أن أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة لها اليد الطولى فيما وصلت له الذائقة العامة من تردٍ من خلال تقديمها من هب ودب دون وضع أي ميزان يراعي احترام الذوق والفن والكلمة وخلال جل برامجها التي أضحت أداة ترويج لمثل تلك الأغاني وكأنها تصر على تخريب الذائقة مع سبق الإصرار والترصد، فلم نعد نسمع ما يستحق الاستماع إليه إلا من خلال القنوات المخصصة لبث الأغاني القديمة.
تساؤل يطرح نفسه: هل هذه الظاهرة بسبب سوء حال الأغنية العربية بشكل عام أم أن الذائقة العامة للمستمع هي التي تطلب مثل هذه الأغاني، أم أن إصرار محطاتنا الإذاعية بالذات على بث مثل تلك الأغنيات وباستمرار مشبوه ساهم في انتشار التفاهة وجعلها سيدة الموقف الغنائي اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"