القصيدة.. ظلال اللغة المراوغة

02:45 صباحا
قراءة 5 دقائق
استطلاع: نجاة الفارس

أكد عدد من الشعراء والنقاد ضرورة تطوير نشر وتوزيع ترجمات الشعر العربي بشكل أوسع بكثير ليصل إلى القارئ المهتم عالمياً، داعين المؤسسات التعليمية أن تقدم الشعر بثوب أجمل للنشء أولاً، كما أن على الشعراء البحث عن طرائق جديدة لتقديم نصوصهم، وقالوا ل«استطلاع»-«الخليج»: إن الشعر العربي بجزالته وبشعريته يتحدّى المترجمين، فهو شعر عصيّ على الترجمة التي يمكن أن تنقل فعلاً كثافة معانيه وأحاسيس قائله، موضحين أن الشعر يفقد عذوبته في الترجمة، لأنه يعتمد أرقى مستويات اللغة وانزياحاتها وروحها التي تستعصي على النقل، فتخرج القصيدة المترجمة جافة بلا روح، إلاّ إذا تصدى لها مترجم شاعر يحيط باللغتين.

يقول الشاعر والمترجم الدكتور شهاب غانم: إن ترجمة الرواية العربية إلى الإنجليزية والفرنسية واللغات الأخرى بدأت تأخذ زخماً بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل في عام 1988، وكذلك مؤخراً بعد ظهور بعض جوائز الرواية العربية مثل البوكر، ولكن هذه الترجمات مازالت قليلة إذا قورنت من حيث العدد مع الترجمات بين اللغات الأوروبية مثلاً.

أما بالنسبة لترجمة الشعر العربي فهو أقل بكثير لعدة أسباب، منها أن أحداً من الشعراء العرب لم يحصل على جائزة مثل نوبل، كما أن ترجمة الشعر أصعب من ترجمة النثر والرواية، وهنا ينبغي أن نتذكر أن طاغور كان أول شرقي ينال جائزة نوبل على شعره ولكن شعره لم يجتذب انتباه الأوروبيين إلا بعد أن ترجم مجموعته الشعرية «جيتانجالي» إلى الإنجليزية بنفسه، واطلع على تلك الترجمة الشاعر الأيرلندي الشهير الحاصل على نوبل ييتس فأوصى لجنة نوبل بمنحه الجائزة.

لقد ترجم العرب في بداية القرن الماضي الكثير من الروايات الغربية إلى العربية، كما ترجموا بعض الشعر لمشاهير من الغرب مثل: شكسبير وجوته وبوشكين وعدد لا بأس به من الشعراء الرومانسيين والحداثيين أمثال بودلير ورامبو وت. إس. إليوت إلخ، ولكن لم يحدث أن ترجم أمثال أحمد شوقي مثلاً إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، حسب علمي لقلة المتمكنين في ترجمة مثل ذلك الشعر ولصعوبة ترجمته وترجمة بلاغته، وأيضاً لا نجد ترجمات كثيرة ومهمة لأمثال المتنبي وأبي تمام والبحتري والمعري، وإن كان بعض المستشرقين ترجموا بعض نماذج لهم؛ بل ترجموا المعلقات السبع، وفي نظري أن ترجمة الشعر لكي تكون مؤثرة يفضل أن يقوم بها شاعر متمكن من اللغتين.

مرآة

وتقول الشاعرة ربا شعبان: لا شك أن الرواية هي خير مرآة للحياة المعاصرة بتفاصيلها الكثيرة وتناقضاتها وتعقيداتها، والقصيدة هي عذرية المشاعر وموسيقى الروح، لِنَقُل كلاهما هو الإنسان المعاصر بأبعاده الكثيرة، الرواية مرآة حياته المادية المتعددة الجوانب والقصيدة صدى روحه الهاربة من نشاز الزحام إلى صفاء الروح وموسيقى القلب، وبعد فليس غريباً أن تكرم الرواية في هذا العصر ويقرأ للروائي أكثر من الشاعر، كما أن الشعر عصيّ على الترجمة فالشعر هو ظلال اللغة والرواية هي اللغة، كما أن الشعر العربي دخل في متاهات كثيرة باسم الحداثة فاختلط فيه الأصلي بالزائف، أما الفوضى الأخرى التي تبدو نعمة في ظاهرها وهي في الحقيقة مأزق كبير فهي العوالم الافتراضية التي ساوت بين الشاعر والمتشاعر وجعلت من الشعر بضاعة لا يميز فيها الغث من السمين في زمن غاب النقد الأكاديمي وانتشرت الشللية والانطباعية الفكرية، فما العمل ؟ على المؤسسات التعليمية أن تقدم الشعر بثوب أجمل للنشء أولاً، وعلى الشعراء أن يبحثوا عن طرق جديدة لتقديم نصوصهم، ما العيب في مسرحة الشعر أو إدخاله في أفلام القصيرة، لم لا نخرج من عباءاتنا المهلهلة في زمن الديجيتال والصورة والإنترنت، ما الخطأ في تقديم الشعر بأثواب جديدة ؟ الأمر يستحق المحاولة.

عفوية

الشاعر الدكتور إياد عبد المجيد أستاذ النقد الأدبي، يقول: مشكلة ترجمة الشعر نوقشت قديماً منذ هوراس والجاحظ، والأغلبية المطلقة قديماً وحديثاً تميل إلى رفض ترجمة الشعر، وذلك لأن نقل الشعر من لغة إلى لغة أخرى تعسف أو سراب، نظراً لما في ذاك من صعوبة، غير أن ذلك لم يجعل المترجمين يحجموا عن الترجمة، وقد أسهم مترجمونا وبخاصة في ترجمة الشعر وهم ينقلون لنا عيون الشعر الحديث مما انعكس إيجاباً على حركة الشعر العربي، وفي المقابل لم يترجموا الشعر القديم للغرب لصعوبة لغته وألفاظه وصوره كما في الشعر الجاهلي وقديماً قال الجاحظ: «والشعر لا يستطاع أن يترجم ولا يجوز عليه النقل، ومتى حوّل تقطع نظمه وبطل وزنه وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب لا كالكلام المنثور».

وإذا كانت ترجمة العمل الإبداعي من لغة إلى أخرى تتطلب عناء لنقل اللغة والمعاني التي أرادها صاحب النص الأصلي إلى لغة أخرى منقول إليها، فإنّ ترجمة الرواية تعدّ أيسر من ترجمة الشعر، حيث تتكثّف اللّغة في الشعر العربي وتتعدّد الصور البلاغية وتضرب علاقات مع الذاكرة العربية الجمعية وما يستبطنه الشاعر من رؤى وتصورات وثقافة.

تعطش

وتؤكد الشاعرة الهنوف محمد رئيسة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، أننا بالترجمة نستطيع أن نصل بالشعر العربي للعالمية، فالعالم موجود في الإمارات حيث تعيش أكثر من 200 جنسية ومنهم جنسيات أجنبية آسيوية وأمريكية وأوروبية، معظمهم لا يعرفون اللغة العربية، ويوجد منهم كتاب وشعراء يتابعون الشعراء والكتاب العرب والإماراتيين، وهم متعطشون للشعر العربي وليس المحلي فقط، وهنا لا بد أن نذكر ونشيد بمشروع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة للترجمة، الذي قدم للعالم مجموعة من أعمال الشعراء والكتاب، وكذلك جهود الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في حركة الترجمة مما يخلق تبادلاً ثقافياً، فهناك تعطش للأدب العربي والشعر العربي خاصة القديم منه فالآخر من خلال الشعر يفهم تركيبة العقلية العربية، وكذلك من خلال النقد والترجمة، ولا شك أن قصيدة النثر تعد القصيدة الأسهل للترجمة، لأنها تعتمد على الموسيقى الداخلية، بينما شعر التفعيلة والعمودي صعب ترجمته، إنما المترجم ينقل معنى وروح القصيدة.

انكفاء

ويرى الناقد والأكاديمي الدكتور محمد الحوراني أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت انكفاء في نظرة المتلقي للشعر، وصعوداً لتلقي الرواية، وهنا علينا أن نميز بين دور المتلقي ودور المؤلف شاعراً كان أم سارداً، ففي إطار المتلقي فقد كثير من الشعر جماهيريته؛ لأسباب متعددة تندرج في المجمل في إطار نخبوية الشعر، لدرجة أننا لا نكاد نجد في العديد من الأمسيات والمهرجانات الشعرية أكثر من عدد أصابع اليدين حضوراً، وجلّهم من الشعراء أو الهواة، فضلاً عن صعود دفة الشعر الشعبي بأشكاله في كثير من البلدان العربية على حساب الفصيح جماهيرياً. ويبقى الإيقاع عنصراً حاسماً، وتبقى اللغة الجمالية حاضنة، وتبقى عواطف وأحاسيس الشاعر الصادقة أقصر طريق للوصول إلى قلب القارئ، وهو ما لا يراه كثير من القراء الآن في الشعر، ولا يعني هذا أن شعرنا العربي فقد مكانته، فما من عربي إلا ويحفظ شعراً، وما من عربي إلا ويزهو بما يحفظ، ويفقد الشعر عذوبته في الترجمة، لأنه يعتمد أرقى مستويات اللغة وانزياحاتها وروحها التي تستعصي على الترجمة، فتخرج القصيدة المترجمة جافة بلا روح.

نخبوية

الشاعر خالد البدور يرى أن الشعر العربي والعالمي لم يعد كما كان الوحيد المعبر عن المكنونات في اللغة، اليوم توجد منافسة كبيرة من الرواية، أيضاً علاقتنا باللغة العربية الفصحى تغيرت وأصبحت محدودة وتقتصر على المهتمين فقط وعلى المتعلمين وعلى من يتذوق الشعر ومن يمارسه، فأصبح الشعر نخبوياً، لقد تراجعت علاقة الجيل الحالي بالشعر نتيجة لعصر الصورة، حيث تزايد عدد المهتمين بالروايات.

إن ترجمة الشعر العربي للغات العالم قليلة ويكاد يغيب المتخصص في هذا المجال، نعم هناك ترجمات للشعراء العرب الكبار في العصر الحديث مثل نزار قباني ومحمود درويش والبياتي وأدونيس في لغات مثل الروسية والإيطالية والإسبانية والفرنسية، ولكن ماذا عن ترجمة نصوص شعراء العقدين الأخيرين؟، ولذلك نطالب المؤسسات العربية بمتخصصين في ترجمة الشعر العربي ونشره، فهناك من يرغب في التعرف عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"