المواطن اللبناني رهين المحبسين

02:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

الخلل في النظام السياسي اللبناني هو الملاذ الآمن للفساد والفاسدين والمفسدين. ولعل النظام الطائفي هو المظلة لكل هؤلاء الذين يحتمون به، ليس في لبنان وحسب، إنما في أقطار عربية أخرى. ففي العراق هناك الميليشيات الطائفية التي تحمي الفساد وتحتمي بالطائفية الحزبية، لأنها أكسير حياتها، وفي الأردن تبرز العشيرة للدفاع عن أي من كبارها إذا اتهم بالفساد، وفي فلسطين هناك الفصيل الذي يكبح أي تحقيق في فساد أعضائه ويرفق بفاسديه، ويحميهم، بغض النظر عما إذا كان حاكماً أو خارج الحكم.
أما لبنان، فظل يكتوي بنظام حكم طائفي منذ استقلاله، يتقاسمه إقطاعيون طائفيون اغتنوا على مدى عقود، وبات المساس بهم من الخطوط الحمراء التي يراق من حولها الدم حماية للفاسدين والمفسدين. وقد جرى بموجب اتفاق الطائف، الذي اعتبر مرحلياً قبل ثلاثة عقود، وضع مخطط لتطوير الحياة السياسية اللبنانية، بحيث يتم التخلي تدريجياً عن الطائفية السياسية وصولاً إلى إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية ودمقرطة الانتخابات النيابية لإعادة إنتاج نظام سياسي حديث بعيداً عن المحاصصة الطائفية التي هي البيئة الحاضنة للمحسوبية والفساد والإثراء غير المشروع.
شهد لبنان حرباً أهلية طاحنة لمدة خمسة عشر عاماً من 1975 إلى 1990 قتل فيها الآلاف، وانتهت باتفاق الطائف الذي رعاه المجتمع الدولي، وتم تعديل الدستور اللبناني بناء على هذا الاتفاق الذي كان من نتائجه تقليص سلطات رئيس الجمهورية.
ورغم أن الدستور اللبناني ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني، فإن البنية الطائفية للنظام السياسي في لبنان جعل من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى دون توافق جميع الفرقاء السياسيين الموزعين على أساس طائفي.
ويقوم مجلس النواب اللبناني بانتخاب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يكون من الطائفة المسيحية المارونية، وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان، ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد.
منذ مايو/أيار 2014 وحتى 2016، فشلت 45 جلسة لمجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني نتيجة عدم توافق القوى السياسية اللبنانية على تسمية الرئيس الجديد.
والتقاسم الطائفي للمناصب في لبنان لا يقتصر على الرئاسات الثلاث، بل يمتد ليشمل جميع مناصب الفئة الأولى. وهناك أيضاً حصص للطوائف والأقليات الأصغر مثل الدروز والمسيحيين الأورثوذكس والأرمن في توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعداً، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، حسبما ينص عليه اتفاق الطائف. وهكذا تحول اتفاق الطائف من مدخل لتحديث الدولة اللبنانية إلى نظام يكرس الطائفية. وينص اتفاق الطائف على إلغاء جميع أنواع الميليشيات في البلاد، لكنها عادت مجدداً كما هو الواقع الحالي. ولعل تخبط الحكومات اللبنانية منذ حرب 2006 وعدم قدرة النظام اللبناني على كبح الانهيار في مؤسسات الدولة وخدماتها، وانحسار هيبة الدولة على الأرض، وعدم وجود خطة لإعادة إنعاش الوضع الاقتصادي والأثر المدمر للحرب في سوريا على البنية المجتمعية والطائفية والسياسية والاقتصادية في لبنان، أدى إلى تغول الفاسدين في المحاصصة الطائفية السياسية لتشمل المحاصصة في الاقتصاد والمال ونهب البلد كما هو الحال في العراق. لكن الوضع العراقي أكثر سوءاً لأن للفاسدين ميليشيات مسلحة، والغنائم أكبر مما هي عليه في لبنان، فقد بالغ الكثيرون في حجم الأموال المنهوبة في لبنان، وكأنها دولة ذات موارد نفطية والواقع ليس كذلك.
الاحتجاج اللبناني تميز بكونه غير عنيف وعابراً للطائفية، رغم أنه أثار حنق بعض الطائفيين الذين تحرشوا بالمحتجين لتحويل الاحتجاج إلى فتنة يتربح منها السياسيون ويكبحون جماح المطالب الشعبية. فالطبقة الحاكمة في لبنان ما زالت تتمسك بالعهد كما يصفه الكثيرون منهم، وإن طمع بعضهم في تغيير المحاصصة وفقاً لزيادة عدد أفراد طائفته، لكن الخروج الشعبي الحالي كان بمثابة استفتاء عفوي على أنه يجب إجراء تغييرات عميقة في بنية النظام اللبناني لأن الطائفيين أخذوا من اتفاق الطائف ما يروق لهم وتركوا الباقي، وتحول الاتفاق من اتفاق للبناء عليه نحو التغيير إلى هدنة طويلة الأمد لصالح التقسيم الطائفي وأمراء الطوائف، حيث وجدناهم إزاء الاحتجاجات الحالية يتحدثون بلسان واحد ويقللون من أهمية الحراك مستندين إلى طوائفهم. فالحراك شمل كل الطوائف، إلا أن الاقتراحات الإصلاحية التي طرحت هي تجميلية ولا تمس بنية النظام ولا تفتح المجال أمام تغيير جوهري في قانون الانتخاب الذي هو مفتاح القضاء على الطائفية السياسية، ولا تفت من عضد الفاسدين ولا تشبع الفقراء ولا تشغل العاطلين عن العمل بل تحافظ على النظام على ما هو عليه، ويظل المواطن اللبناني رهين المحبسين، محبس الطائفية ومحبس المحاصصة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"