تراجع الحركة العمالية العربية

03:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

قليلة هي القراءات التي ربطت بين حراك بعض الشعوب العربية في العقد الأخير وبين تراجع الحركات النقابية، وخصوصاً الحركة العمّالية، بل تكاد تكون تلك القراءات معدومة، وربما كان الطابع الشعبي العام للحراك العربي، غير المتخصص بفئات واضحة، وراء عدم السؤال عن واقع الحركة العمالية، ومكانتها في الحراك العام، لجهة تضاؤل دورها الفعلي، بل لنقل عدم وجود أي دور حقيقي لها.
في سياق التاريخ الحديث، تاريخ الصناعة والرأسمالية، ابتداءً من دور الآلة البخارية في نهايات القرن التاسع عشر، ودورها في تطوير الصناعة والعمل والنقل وتوسيع الأسواق وتراكم رأس المال، ووصولاً إلى الموجة الثالثة للعولمة، في مطلع تسعينات القرن الماضي، فقد لعبت الحركة العمّالية دوراً رئيسياً، بل وحاسماً، في التاريخ الاجتماعي والسياسي للعالم، خصوصاً في مراكزه التقليدية الكبرى، في أوروبا وأمريكا، فليس النظام الديمقراطي/ الغربي، في أحد أوجهه، سوى نتيجة لتنامي الحركة العمّالية، وضغوطها على أصحاب الرأسمال، وممثليهم السياسيين.
في مطلع القرن العشرين، تبلورت الحركة العمّالية العالمية، كشكلٍ نضالي واسع، قاد إلى إحراز مكتسبات عديدة للطبقة العاملة، وتحقيق أحد شعاراتها الكبرى «ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات فراغ للراحة والاستمتاع»، وقد كان الإقرار بتكريس يوم الأول من مايو/ أيار من كل عام، عيداً للعمال ثمرة النضال العمّالي في بلدان كثيرة، وتقديم هذه الطبقة ضحايا كُثر، من أجل تحقيق مطالبها، وتوسيع دائرة مكتسباتها.
كانت الحركة العمّالية في بعض بلدان العالم العربي من أقدم الحركات المطلبية المنظّمة، حيث يعد إضراب عمّال ترام القاهرة في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1908، بداية انطلاق الحركة العمالية المصرية، والذي قاد إلى تشكيل أول إطار نقابي، هو نقابة عمال الترام، حيث ستنمو هذه الحركة بعد ذلك، لتشمل فئات أخرى من العمال، ولتسهم في حركة التحرّر الوطني من الاستعمار البريطاني.
أما في سوريا، فقد ولد الاتحاد العام للنقابات في عام 1939، قبل الحرب العالمية الثانية، وقد شارك هذا الإطار العمّالي في الحركة التحررية السورية من الاستعمار الفرنسي، وأيضاً في دعم الحراك السياسي، حيث أصبحت النقابات حيّزاً مهمّاً لعمل الأحزاب، والتنافس فيما بينها، من أجل كسب الكوادر العمالية، والتي كانت تحتّل مكانة مرموقة اجتماعياً، وقد شهدت النقابات السوريّة حراكاً ديمقراطياً مهمّاً في انتخاب قياداتها، وفي تحريك الرأي العام، وقد استمر هذا الدور إلى مارس/ آذار عام 1980، حيث أعلنت النقابات، ومن ضمنها النقابات العمالية، الإضراب العام، في محافظات البلاد كافة، إلى أن قامت السلطة السياسية بحلّ النقابات في إبريل/ نيسان من العام نفسه، وزجّ قيادات عمالية بارزة في السجن.
شكّلت النقابات، منذ خمسينات القرن الماضي، في عدد من الدول العربية، رافعة حقيقية للنضال في الشأن العام، وتفاعلت مع معظم القضايا الوطنية والقومية، وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني لمختلف الفئات الاجتماعية.
ما قامت به الأنظمة الشمولية، هو قطع الطريق على تراكم النضالات العمّالية والسياسية والتحررية، وشرذمة جهودها، والاستيلاء على الحقل النقابي، وفرض الوصاية عليه، عبر هيمنة الأحزاب الحاكمة، وهو ما ترافق مع عملية قطع مع التراكم الصناعي الخاص، وتحويل الاقتصاد إلى حالة ريعية، لا تمت بأية صلة إلى الإنتاج الحقيقي.
إن أفضل خدمة قدّمتها الأنظمة السياسية العربية للكولونيالي هي ضرب القطاع الصناعي، وقاعدته العمّالية، والاكتفاء بالصناعات الاستهلاكية البسيطة، وبالتالي ضرب عملية التطور الاقتصادي، وإفقاده أي قدرة على تحقيق عوائد وطنية مهمّة، وهو ما أسهم أيضاً في إبقاء الطابع المحافظ والتقليدي للشبكات الاجتماعية، حتى يَسهل الإمساك بها، من قبل الأجهزة التنفيذية للأنظمة الحاكمة، ومنع أي تحرّك منظم لها، أو ظهور قيادات وازنة في الشأن العام.
بالمحصّلة، فإن الحركة العمّالية العربية فقدت أي دور لها في مجتمعاتها، في ظلّ انهيار الحراك المطلبي العمّالي والسياسي، مع تنامي شكل اقتصادي هجين، وهيمنة الأنظمة الشمولية، ما أفقد الحراك العربي من أجل التغيير أطره المنظمة، ما عدا الحالة التونسية، حيث كان الاتحاد العام للشغل صمام أمان مهّماً، في تأطير الحراك الشعبي، وما عدا هذه الحالة الاستثنائية، فإن غياب الأطر التنظيمية العماليّة والسياسية سهّل عملية تشويه هذا الحراك، وضرب مطالبه الرئيسية، بل وعدم إنضاج قيادات بديلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"